وقد يقبل رواية المجهول العدالة من لا يقبل رواية المجهول العين، ومن روى عنه عدلان وعَيَّنَاه فقد ارتفعت عنه هذه الجهالة).
ثالثا - في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع" ولو كانت كل الرواة عدول لما أوجب النبي التثبت من خبره، ولما حكم بإثم وتكذيب من يحدث بكل ما سمع.
رابعا - ما ورد عن الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من التحري في الرواية وعدم الرواية عن الكذابين والضعفاء والمجروحين والمجهولين، وهذا مشهور عنهم وإليك طائفة من أقوالهم:
ساق الخطيب في "الكفاية" (ص/83): بسنده عن أبي إسحاق , قال: كنت في المسجد الجامع مع الأسود فقال: أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب فقال:» ما كنا لندع كتاب ربنا , وسنة نبينا لقول امرأة , لا تدري أحفظت أم لا «ثم قال: (وهكذا اشتهر الحديث عن علي بن أبي طالب أنه قال ما: حدثني أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا استحلفته , ومعلوم أنه كان يحدثه المسلمون ويستحلفهم , مع ظهور إسلامهم , وأنه لم يكن يستحلف فاسقا ويقبل خبره , بل لعله ما كان يقبل خبر كثير ممن يستحلفهم , مع ظهور إسلامهم وبذلهم له اليمين , وكذلك غيره من الصحابة روي عنهم أنهم ردوا أخبارا رويت لهم ورواتها ظاهرهم الإسلام , فلم يطعن عليهم في ذلك الفعل , ولا خولفوا فيه , فدل على أنه مذهب لجميعهم , إذ لو كان فيهم من يذهب إلى خلافه لوجب بمستقر العادة نقل قوله إلينا , ويدل على ذلك أيضا إجماع الأمة على أنه لا يكفي في عدالة الشهود على ما يقتضي الحدود إظهار الإسلام , دون تأمل أحوال الشهود واختبارها , وهذا يوجب اختبار حال المخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وحال الشهود بجميع الحقوق , بل قد قال كثير من الناس: إنه يجب الاستظهار في البحث عن عدالة المخبر بأكثر مما يجب في عدالة الشاهد , فثبت بما ذكرناه أن العدالة شيء زائد على ظهور الإسلام , يحصل بتتبع الأفعال واختبار الأحوال والله أعلم).
- روى مسلم في "مقدمة صحيحه" (1/ 13) بسنده عن مجاهد أنه قال: "جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله -صلى الله عليه