يمتنع بها عن اقتراف كل فرد من أفراد الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة تمرة والرذائل الجائزة كالبول في الطرقات وأكل غير السوقي فيه فهذا تشديد في العدالة لا يتم إلا في حق المعصومين وأفراد من خلص المؤمنين بل قد جاء في الأحاديث أن (كل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون) [1] وأنه ما من نبي إلا عصى أو هم بمعصية فما ظنك عمن سواهم وحصول هذه الملكة في كل راو من رواة الحديث عزيز الحصول لا يكاد يقع ومن طالع تراجم الرواة علم ذلك وأنه ليس العدل إلا من قارب وسدد وغلب خيره شره ... ].
إلا أن الشيخ حاتم العوني في رسالته " خلاصة التأصيل لعلم الجرح والتعديل " لم يرتضِ هذا الاعتراض حيث قال: [تعريف العدالة (على الإطلاق): ملكة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة. وتعريف العدالة بتلك الملكة ليس عليه انتقاد في نظري؛ لأن تعريف العدالة بذلك ليس هو تعريف العدل، فمن كانت له تلك الملكة لا يلزم من اتصافه بها أن يكون معصوماً، فقد يخالف صاحب الملكة ملكته أحياناً، وقد يتجاوز ذو السجية سجيته، وكما قيل في بيان ذلك: ((لكل جواد كبوة، ولكل سيفٍ نبوة)) وعليه: فإن لا أرى أن هناك فرقاً بين تعريف العدل بصاحب تلك الملكة وتعريفه بأنه: من كان الغالب عليه فعل الطاعات وترك المعاصي، أو بأنه: من غلب خيره شره.
ثم إن الملكات (والسجايا) تتفاوت في القوة والتمكن، فليس كل من كان الجود سجيته بلغ مبلغ حاتم الطائي، ولا كل من كانت التقوى والمروءة ملكةً له بلغ مبلغ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وهذا هو مقتضى اعتقاد أهل السنة والجماعة بأن الإيمان يزيد وينقص، وأن أصحابه فيه متفاوتون ... ثم قال: تعريف العدل: من كانت له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، وهو: المسلم العاقل البالغ السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة].
وهذا التعقب على الاعتراض ليس بشيء؛ وذلك لأن من عََّرفَ العدالة بهذه الملكة، أو عرف العدل بمن له هذه الملكة، فقد قصد وجود ملزوم ذلك من ملازمة [1] - رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم من حدث أنس، وحسنه الألباني.