إليه حفظه الذي كان نسيه وهذا أيضا حكمه حكم الحافظ ومن لا يحفظ وإنما يعتمد على مجرد التلقين فهذا الذي منع أحمد ويحيى من الأخذ عنه.
السبب الخامس: قصر الصحبة للشيخ وقلة الممارسة لحديثه:
أعطى المحدثون طول ملازمة الشيخ وممارسة حديثه أهمية كبيرة فرجحوا - من أجل ذلك - أسانيد كثيرة على أخرى وأعانتهم معرفتهم بالصحبة والممارسة على تمييز كثير من الأوهام والعلل، واهتمام النقاد بهذا الأمر جعلهم يتابعون الرواة عن شيخ ما فيقسمونهم فئات بين الأطول صحبة والأقصر والأقل ممارسة والأكثر وممن اعتنى اعتناء فائقا باختيار أكثر رجاله من بين الأوثق والأطول صحبة الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه الصحيح وفي هذا يقول الإمام ابن رجب - في شرحه لعلل الترمذي - وأما البخاري فشرطه أشد من ذلك وهو أنه لا يخرج إلا للثقة الضابط ولمن ندر وهمه ونذكر لذلك مثالا وهو أن أصحاب الزهري خمس طبقات: الطبقة الأولى جمعت الحفظ والإتقان وطول الصحبة للزهري والعلم بحديثه والضبط له كمالك وابن عيينة وعبيد الله بن عمر ومعمر ويونس وعقيل وشعيب وغيرهم وهؤلاء متفق على تخريج حديثهم عن الزهري. الطبقة الثانية أهل حفظ وإتقان ولكن لم تطل صحبتهم للزهري وإنما صحبوه مدة يسيرة ولم يمارسوا حديثه وهم في إتقانه دون الأولى كالأوزاعي والليث وهؤلاء يخرج لهم مسلم عن الزهري. الطبقة الثالثة لازموا الزهري وصحبوه ولكن تكلم في حفظهم كسفيان بن حسين ومحمد بن إسحاق. الطبقة الرابعة قوم رووا عن الزهري من غير ملازمة ولا طول صحبة ومع ذلك تكلم فيهم مثل إسحاق بن أبي فروة وهؤلاء قد يخرج الترمذي لبعضهم. الطبقة الخامسة قوم من المتروكين والمجهولين كالحكم الأيلي وعبد القدوس بن حبيب. ورجال البخاري - كما دل عليه الاستقراء - هم في معظمهم من الطبقة الأولى طبقات الثقات ذات الصحبة والممارسة؛ وهكذا نرى أن درجة الثقة وحدها لا تكفي لقبول الحديث بل لا بد من معرفة سياق السند ومعرفة ممارسة كل رجل من رجاله لحديث شيخه ومعرفة هذه الممارسة تجعل نظرة المحدث تختلف - عما قبل المعرفة - وهو يرى حديث الأوزاعي عن الزهري وحديث معمر عن الزهري فمما لا شك فيه أن الأوزاعي