فالكلام في ناحيتين:
الأولى - في إسناد أبي هريرة إلى الرسول ما لم يسمعه، فهذا لم ينفرد به أبو هريرة، بل شاركه فيه صغار الصحابة ومن تأخر إسلامه، فعائشة وأنس والبراء وابن عباس وابن عمر، هؤلاء وأمثالهم أسندوا إلى الرسول ما سمعوه من صحابته عنه، وذلك لما ثبت عندهم من عدالة الصحابي وصدقه، فلم يكونوا يجدون حرجاً ما في صنيعهم هذا. فقد روى ابن عباس عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» و «أَنَّ النَبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» وقال في الخبر الأول لما روجع فيه: «أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ» [2]، وقال في الخبر الثاني: «أَخْبَرَنِي بِهِ أَخِي الفَضْلِ بْن العَبَّاسِ» [3]، وروى ابن عمر عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ»، وأسنده بعد ذلك إلى أبي هريرة [4]. وقد قدمنا لك قول أنس بن مالك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «مَا كُلُّ مَا نُحَدِّثُكُمْ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ سَمِعْنَاهُ مِنْهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ يُكَذِّبُ بَعْضُنَا بَعْضًا» وقول البراء: «مَا كُلُّ حَدِيثٍ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ يُحَدِّثُنَا أَصْحَابُهُ عَنْهُ وَكَانَتْ تَشْغَلُنَا عَنْهُ رِعْيَةِ الإِبِلِ».
وهذا ما يسمى عند العلماء بُِِمُرْسَلِ الصحابي، وقد أجمعوا على الاحتجاج به، وأن حكمه حكم المرفوع، ما عدا الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني فإنه قال: «يحتمل أن يكون الصحابي راوياً ذلك الحديث عن تابعي»، وهو قول مردود، ويكفي إجماع أهل الحديث والأصول على خلافه.
(1) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 269. [2] أخرجه " البخاري " في (باب بيع الدينار بالدينار نَساء)، وأخرجه " مسلم " أيضاًً.
(3) " الأحكام " للآمدي: 1/ 204 وفي كتب السُنّةِ جاء أكثرها رواية ابن عباس عن الفضل (في حديث التلبية) وفي " مسند أحمد " رواية ابن عباس عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير واسطة. [4] المصدر السابق. وفي كتب السُنَّة أيضاًً ذكر لهذه الحادثة ....
نام کتاب : السنة ومكانتها للسباعي - ط الوراق نویسنده : السباعي، مصطفى جلد : 1 صفحه : 338