قد يُظَنُّ أن في تَشَدُّدِ زائدة مَنْعًا للعلم ونشره، وأن طريقته هذه تتنافى مع رسالة المعلمين المرشدين الهادين، والحقيقة أن منهجه هذا كان من وسائل المحافظة على السُنَّةِ، كما كان حائلاً دون أهل البدع والأهواء من أن يستغلوا الحديث الشريف، أو يُحَرِّفُوهُ تَبَعًا لأهوائهم.
من البدهي أن يهتم المسلمون بكتاب الله تعالى وحفظه ودراسته وتلاوته، وفهمه وتفسيره. وقد أجمع المُحَدِّثُونَ على أنه لا ينبغي أن يطلب المرء الحديث إلا بعد قراءته القرآن وحفظه كله أو أكثره، ثم يبدأ سماع الحديث وكتابته عن الشيوخ، وكان كثير من المُحَدِّثِينَ لا يقبلون الطلاب في حلقاتهم إلا إذا وثقوا من دراستهم القرآن الكريم وحفظ بعضه على الأقل، وفي هذا قَالَ حَفْصُ بْنَ غِيَاثٍ: «أَتَيْتُ الأَعْمَشَ فَقُلْتُ: " حَدِّثْنِي "، قَالَ: " أَتَحْفَظُ القُرْآنَ؟ " قُلْتُ: " لاَ "، قَالَ: " اذْهَبْ فَاحْفَظِ القُرْآنَ، ثُمَّ هَلُمَّ أُحَدِّثُكَ " قَالَ: " فَذَهَبْتُ فَحَفِظْتُ القُرْآنَ، ثُمَّ جِئْتُهُ فَاسْتَقْرَأَنِي، فَقَرَأْتُهُ، فَحَدَّثَنِي "» [2].