كما أمر ابن شهاب الزهري (- 124 هـ) وغيره بجمع السنن [2]، وربما لم يكتف عمر بن عبد العزيز بأمر من أمرهم بجمع الحديث، فأرسل كُتُبًا إلى الآفاق يحث المسؤولين فيها على تشجيع أهل العلم على دراسة السُنَّةِ وإحيائها، ومن هذا ما يرويه عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ يَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ فَأْمُرُوا أَهْلَ العِلْمِ أَنْ يَنْشُرُوا العِلْمَ فِي مَسَاجِدِهِمْ، فَإِنَّ السُّنَّةَ كَانَتْ قَدْ أُمِيتَتْ» [3]. كَمَا كَتَبَ «أَنَّهُ لاَ رَأْيَ لأَحَدٍ فِي [كِتَابِ اللَّهِ] (*)، وَإِنَّمَا رَأْيُ الأَئِمَّةِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ كِتَابٌ، وَلَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ رَأْيَ لأَحَدٍ فِي سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [4]، بل هناك أخبار تثبت أن عمر بن عبد العزيز قد شارك العلماء في مناقشة بعض ما جمعوه، من ذلك ما رواه أبو الزناد عبد الله بن ذكوان القرشي قال: «رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ جَمَعَ الفُقَهَاءَ، فَجَمَعُوا لَهُ أَشْيَاءَ مِنَ السًّنَنِ، فَإِذَا جَاءَ الشَّيْءُ الذِي لَيْسَ العَمَلُ عَلَيْهِ، قَالَ: " هَذِهِ زِيَادَةٌ لَيْسَ العَمَلُ عَلَيْهَا "» [5].
لقد بذل عمر بن عبد العزيز جهده في المحافظة على السُنَّةِ - مع قصر
(1) " فتح الباري ": ص 204 جـ 1. [2] انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 76 جـ 1.
(3) " المحدث الفاصل ": ص 153.
(4) " سنن الدارمي ": ص 114 جـ 1، وانظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 34 جـ 2.
(5) " قبول الأخبار ": ص 30، وتوفي أبو الزناد سَنَةَ (131 هـ)، ومن ذلك أَيْضًا (مَا رُوِيَ عن يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَضَرْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ , فَأَجْلَسَ قَوْمًا يَكْتُبُونَ مَا يَقُولُ , فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ , قَالَ لَهُ عُمَرُ: «صَنَعْنَا شَيْئًا» , قَالَ: وَمَا هُوَ يَا ابْنَ عَبْدِ العَزِيزِ , قَالَ: «كَتَبْنَا مَا قُلْتَ» , قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ , قَالَ: فَجِيءَ بِهِ فَخُرِّقَ. " تقييد العلم ": ص 45). ربما كره الكتابة عنه لأنه ممن يحب الاعتماد على الحفظ كما سنذكر بعد قليل.
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) ورد في الكتاب المطبوع (فِي كِتابٍ) والصواب (فِي كِتَابِ اللَّهِ)، انظر " سنن الدارمي "، تحقيق سليم أسد الداراني: المُقَدِّمَةُ (39) بَابُ مَا يُتَّقَى مِنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث رقم 446، 1/ 401، الطبعة الأولى: 1421 هـ - 2000 م، نشر دار المغني للنشر والتوزيع. الرياض - المملكة العربية السعودية.
نام کتاب : السنة قبل التدوين نویسنده : الخطيب، محمد عجاج جلد : 1 صفحه : 330