الناس والفرار بدينه من جزيرة مجاورة، علّمه الكلام، فعلم منه حقائق الوجود ووجد في الطريق الفلسفي الذي سلكه حيّ بن يقظان تعليلاً علويّاً للدين الذي يعتقده، وتفسيراً سليماً لكلّ الأديان، واستطاع حيّ بن يقظان إقناع "أبسال" أن يحمله إلى جزيرته التي هجرها ليلتقي فيها ملكها التقيّ "سلامان" صديق "أبسال" الذي يرى خلافاً لأبسال وجوب ملازمة الجماعة وترك العزلة.
وبالتقائهم حاول حيّ أن يكشف لأهل الجزيرة وخاصّتها بطريقته العقليّة والإشراقيّة الحقائق العليا التي وصل إليها فلم يوفّق، وأدرك حيّ وصديقه أبسال أنّ من أراد أن يعلّم الناس حقائق الوجود ويؤثّر في أفهامهم الغليظة ويُلِين إرادتهم المستعصية، فلا مفرّ له من أن يصوغ آراءه بلغة الأديان المنزّلة على الرسل. فابن الطفيل أراد أن يبيّن أنّه في وسع الإنسان أن يرتقي بنفسه وبفطرته السليمة من المحسوس إلى المعقول إلى الله بحيث يستطيع الوصول إلى معرفة العالم ومعرفة الخالق، إلا أنّ هذا الإنسان سواءً كان فيلسوفاً أو مفكّراً أو عالماً وإن وصل إلى معرفة الحقائق العليا حول الإنسان والكون والخالق سبحانه، فإنّه لا يُحْسِنُ إبلاغ هذه الحقائق إلى عامّة الناس بل إنه لا يستطيع إقناع حتى الخاصّة منهم، فالسبيل الوحيد لإيصال الحقائق الكونيّة للخليقة هو الوحي الإلهي عن طريق من يجتبيهم الله تعالى من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام [1] . [1] انظر ذخائر العرب 8 - حيّ بن يقظان لابن سينا وابن الطفيل والسهرورديّ ص1-11،ص 20-32، تحقيق وتعليق أحمد أمين - ط 3 -1966، دار المعارف - بمصر.