وأحاديثُ النبي صلى الله عليه وسلم في انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، أكثر من أن تحصى، منهاقوله من حديث أبي بكرة: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" فكررها ثلاثا [1] ويقابل هذا الغلو في نفي التقسيم غلو آخر، يرى أصحابه أنه صلى الله عليه وسلم لاتقع منه صغائر لا عمدا ولاسهوا، وقد نقل هذا المذهبَ إمامُ الحرمين وابن القشيري عن الأكثرين [2] وردوا عشرات النصوص المتواترة الدالة على ذلك في الكتاب والسنة، من مثل قوله تعالى:
{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} [الفتح:[2]] وقوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر:55] .
وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث " إنه ليغان على قلبي، وإني أستغفر الله سبعين مرة " [3] وحملوا ذلك كله على ما قبل النبوة، أو ترك الأَوْلى، أو فعلوا ذلك بتأويل. وهذا التمحل يؤدي إليه اعتقاد هؤلاء أن القول بأنه صلى الله عليه وسلم تصدر عنه بعض الصغائر سهوا، يَغُضُّ من مقامه، وليس الأمر كذلك، بل الصواب أنها قد تصدر عنه صغائر سهوا أو خطأ، فينبَّه عليها ويتوب منها، فتكون منزلته عند الله عز وجل بعد التوبة أرقى منها قبل التوبة، وهو بذلك ينزقى من كمال إلى أكمل.
هـ - هل السهو يجوز عليهم؟
قال ابن حزم: " إنه يقع من الأنبياء السهو من غير قصد، ويقع منهم أيضا قصد الشيء يريدون به وجه الله تعالى والتقرب به منه، فيوافق خلاف [1] أخرجه البخاري في الأدب ـ 10 /419 ومسلم في الإيمان / 1 / 91. [2] البرهان ـ 4 / 170. [3] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء ـ 4 /2075 ـ من حديث الأغر المزني.