الثاني: ذهب الجمهور ـ من الشافعية والمالكية والحنابلة، والحنفية ـ بشرط انتظار الوحي واليأسِ من نزوله عندهم – وبعضِ الأشاعرة، والقاضي عبد الجبار، وأبي الحسين البصري من المعتزلة، واختاره ابن الحاجب، والغزالي، والبيضاوي، وابن السبكي ـ إلى جواز ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء، ووقع منه صلى الله عليه وسلم، وإذا اجتهد فهل يصيب دائما ولا يخطئ، أو يصيب ويخطئ كغيره من المجتهدين؟ فكل من قال بعصمته مطلقاً فإنه يصيب عنده دائما، وهو مذهب أبي جعفر السجستاني أيضا حكاه بقوله:" الله تعالى يصرفه عن الخطأ، ويهديه إلى الصواب " [1] .
الثالث: المنع مطلقا، وحُكي هذا المذهب عن أبي علي الجبائي، وابنه أبي هاشم [2] . وإذا جاز للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء الاجتهاد في الأحكام الشرعية، فهل وقع ذلك منهم؟ لأنه ليس كل ما جاز يقع، هذه المسألة قد ذهب أكثر المتكلمين، وبعض الشافعية إلى عدم الوقوع، وهو مذهب باطل بالأدلة الدامغة التي ستأتي.
الرابع: التوقف، وقد ذهب إليه قوم، واختاره الباقلاني، وزعم الصيرفي أنه مذهب الشافعي، لأنه حكى الأقوال، ولم يختر شيئا منها [3] .
قلت: قد نقل الرازي عن الشافعي قوله: "لا يجوز أن يكون في أحكام الرسول صلى الله عليه وسلم ما صدر عن الاجتهاد، وهو قول أبي يوسف [4] . [1] الغنية في الأصول - 145. [2] شرح الكوكب المنير -4/476. [3] إرشاد الفحول - 256. [4] المحصول- 6 /7.