ومقارنتها وسماعها مرارا، فقد كان الرجل منهم يرحل في حديث واحد مسيرة شهر، وكان يرحل في لقاء شيخ واحد من خراسان إلى حدود الصين، ولم يبق بلد فيه من يُسمِع الحديث لم يُرْحَل إليه، فأسفرت هذه الرحلة عن تقعيد موازين دقيقة حفظ الله بها السنة من الضياع، تحقيقا لوعد الله في كتابه، وإكراما لهذه الأمة ونبيها، وهذه بعض تلك الموازين.
أ – إحصاء حديث أهل بلد، وشيوخه، وتلامذتهم، حتى أحصوا منهم من روى حرفا واحداً، ونتج عن هذا أنه لا يستطيع أي كاذب أن يدخل في حديث أهل ذلك البلد ماليس منه، فإذا أدخله عُرف أنه ليس منه.
ب – رواية الحديث الواحد من أوجه كثيرة، عن شيوخ عديدين، قد يصلون أحيانا إلى مائة شيخ، وقد يُعَدون بالعشرات، ونتج عن ذلك، مقارنة المتون، ومعرفة ما زيد فيها مما نقص منها، وما شذ مما لم يشذ، فاطمأنت الأئمة بعد هذه المقارنة إلى سلامة المتون من الأوهام، والتحريف، والتصحيف، والإدراج، وما إلى ذلك، وكل لفظة شكوا فيها، فإنهم يحيطونها بالريبة، ويكتبونها لينصوا على أنها لا أصل لها، أو مشكوك فيها، أو محتملة.
ج – تصنيف الرواة على طبقات، فمنهم الحافظ الناقد الجهبذ، ومنهم الصدوق المتوسط، ومنهم من ليس كذلك، فقدموا في الاحتجاج أحاديث الحفاظ الثقات، وأتبعوها بأحاديث الصدوقين المتوسطين، ونظروا في أحاديث من ليس كذلك، فإن وافقت ما عند الصنفين، فهي مقبولة، وإن خالفت، كتبوها ليعرف أنها غير معمول بها، أو متوقف فيها.