اجتهاده ذلك، وأن تجعله سنة متبعة، وأما ما وقع فيه الخطأ من اجتهاده صلى الله عليه سلم فإنه لايقر عليه ولايستمر فيه على الخطأ، ولايتوارث، بل يُنبَّه على الصواب فينقل إليه، ويترك الخطأ، ويصبح ما انتقل إليه بوحي، تشريعا له ولأمته، دون ماسبقه من الاجتهاد، ولهذا لا يجوز لأحد أن يأخذ باجتهاده صلى الله عليه وسلم الذي نبه الوحي فيه للخطأ. هذا فحوى كلام الشافعي من خلال نصوص الرسالة التي سيأتي بعضها. وهناك من جمع بوجه آخر كابن حزم وغيره فقال: القضايا التي اجتهد فيها صلى الله عليه وسلم هي قضايا دنيوية، ولاغضاضة عليه إن أخطأ فيها، إذ لاعلاقة لها بالتشريع، والتشريع كله وحي. وهذا الوجه لا يخفى ما يرد عليه من اعتراضات، والصواب ماتقدم مما ذهب إليه الشافعي وغيره.
وزيادةً على ماتقدم من الأدلة الوارده في المذهب الأول الذي لا يرى اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الشرعيات، فإننا سنضيف أدلة وأقوالا أُخَر تثبت أن السنة وحي كالقرآن.
وهذا المذهب قد تبناه جلة من الأئمة المتقدمين والمتأخرين، منهم سعد ابن معاذ -رضي الله عنه-، وحسان بن عطية، والشافعي، والبخاري، وابن حزم، وغيرهم رحمهم الله. ويُستدل لهذا المذهب -زيادة على ماتقدم- بالكتاب، والسنة، والآثار فأما الكتاب فقوله تعالى:
(1) {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيما} [النساء: 113] .