فأكسبوها عقاب الله بركوبهم ما نهاهم عنه. ولما لم يكن عند من يرمي أخاه بالفسق إلا الظن. جاء النهي عن سوء الظن إثر تلك الآية في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [1] ولما كان الرمي بالفسق مدعاة لتفرق القلوب، وإثارة الشحناء على عكس حكمة الله تعالى في خلقه الخلق للتعارف والتآلف، جاء ذلك على إثر ما تقدم بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [2]. فليتدبر المُتَّقِي هذه الآيات الكريمة وليقف عند أوامرها وزواجرها، وليعتبر وليستعبر.
قال السيد الطباطبائي في " المفاتيح " [3]: «الفسق أن يتحقق بفعل المعصية المخصوصة مع العلم بكونها معصية، أما مع عدمه، بل مع اعتقاد أنه طاعة، بل من أمهات الطاعات فلا. والأمر في المخالف للحق كذلك؛ لأنه لا يعتقد المعصية، بل يزعم أن اعتقاده من أهم الطاعات سواء كان اعتقاده صادرًا عن نظر أو تقليد، ومع ذلك لا يتحقق الفسق، وإنما يتفق ذلك ممن [1] [سورة الحجرات، الآية: 12]. [2] [سورة الحجرات، الآية: 13]. [3] في النقل عن هذا السيد الإمامي الكبير - رَحِمَهُ اللهُ - حُجَّة على متعصبة الإمامية في تفسيقهم مخالفهم أيضاً.