دوافع مسلم لتصنيف صحيحه
ما الذي دفع الإمام مسلم إلى أن يصنف هذا الصحيح؟ الدوافع كثيرة جداً للتأليف والتصنيف.
منها: أنك تُعجب بموضوع لن تجد من سبقك فتفرده بالبحث وتصنف فيه كتابك.
ومنها أنك تُعجب بشخص فتُصنّف في أخلاقه وسلوكه ودينه وعقيدته تصنيفاً.
ومنها أن يكون ذلك رداً للجميل، كشخص صنع لك جميلاً ومعروفاً فأردت أن تذكره بالخير، وأن تخلّد ذكره بين الناس فتصنّف في مناقبه كتاباً.
ومنها غير ذلك كثير، ولكن أعلاها وأفضلها هو التصنيف لنصرة دين الله عز وجل.
ومنها التصنيف لطلب عزيز عليك، شخص يعزك أو تعزه ولا تستطيع أن ترد له قولاً أو طلباً أو أمراً؛ فإذا أمرك أو طلب منك لا يسعك المخالفة، كما فعل الإمام أحمد بن سلمة الحافظ مع الإمام مسلم، فإنه هو الذي طلب منه أن يصنف في الصحيح كتاباً، ذكر هذا الإمام مسلم في مقدمة كتابه، ولكنه لم يسم الذي سأله، وسماه الحافظ البغدادي في كتاب تاريخ بغداد.
قال: وهو أحمد بن سلمة حافظ نيسابور، وكذلك الإمام أحمد بن سلمة لمّح تلميحاً بهذا الأمر وأنه كان صاحباً لـ مسلم في أثناء تصنيفه لهذا الكتاب.
وشر الدوافع والأهداف للتأليف والتصنيف الاعتداء على شرع الله عز وجل وسب الله كما فُعل في هذا الزمان، فهناك من ألّف ليسب المولى عز وجل، ومن ألّف ليسب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ألّف ليسب أزواجه رضي الله تبارك وتعالى عنهن، فلا شك أن هذا شر وكفر محض، والدافع له ما كان مكنوناً في قلبه وفؤاده من نفاق وزندقة وإلحاد، وللأسف أن الناس يجتمعون حول من يرفع هذا اللواء من هنا ومن هناك، ويؤيدونه بالأموال، ويساندونه بجميع المسانيد حتى يستمر في مسيرته المشئومة، ويساعدونه بالأموال الطائلة، وربما طبعوها مجاناً، ليلقوا بها بين الناس وبين ضعاف النفوس والقلوب: {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36] فدين الله عز وجل مهما ناطحه ناطح فلا شك أن الناطح المصاب، فإن الله تعالى يحفظه بحفظه ويرعاه برعايته سبحانه وتعالى.
هذه بعض الدوافع التي تدفع المؤلف لأن يؤلف، ولكن ينبغي على من أراد أن يؤلف أو يصنف أو يحقق -ولا أبرئ نفسي- أن يكون الدافع له إلى التأليف تقوى الله عز وجل، وأن يكون الدافع له نصرة دين الله عز وجل؛ لأنه إن كان غير ذلك فلا شك أنه سيحرج بين يدي ربه سبحانه وتعالى يوم القيامة، ثم ليكن همه بعد ذلك في أمر التحقيق والتصنيف مطروحاً لنفع المسلمين، ولنفع دين الله عز وجل.