وبهذا المعنى قالوا: إن في مسند أحمد رضي الله عنه ثلاثين ألف حديث.
والثاني: أنه لا ذكر للعملِ في حديث أبي سعيد رضي الله عنه بل فيه ذكر الإيمان فقط، كما يدل عليه قوله: «أخرِجُوا من كَانَ في قلبه حبةُ خردلٍ من إيمان» ففيه ذكر مراتبِ الإيمان فقط، بخلاف حديث أنس رضي الله عنه، فإن فيه ذكرُ الخيرِ، وهو العمل، ولفظه: «يخرجُ من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزنُ شعيرةٍ من خيرٍ» فينبغي أن ينعكس حالُ التراجم، ويترجم على حديث أبي سعيد بزيادة الإيمان ونقصانه، لعدم ذكر الأعمال فيه، وعلى حديث أنس رضي الله تعالى عنه بالتفاضل في العمل، لمجيء ذكر العمل فيه، مع أن المصنف رحمه الله تعالى عكس في التراجم.
والثالث: أن اللفظين إذا وردا في الحديثين، فلم أخرج في الأصل لفظ الإيمان في حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه والخيرَ في حديث أنس رضي الله تعالى عنه ولم لم يخرج في حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه لفظَ الخير في الأصل، والإيمان في المتابعة. وحاصله: أنه أخرج لفظ الإيمان والخيرِ في الحديثين، وجعل أحدهما أصلًا، والآخر متابعًا، فلم لم يعكس الأمر؟ ولم يجعل التابع أصلًا؟ والأصلُ تابعًا؟
والرابع: أن مسألة الزيادة والنقصان قد كانت مضت مرة، فلم أعادَها مرة أخرى، والشارحان لم يتكلما فيه إلا كلامًا سطحيًا، مع أن المقام يحتاجُ إلى إيضاح وبيان وإتمام والحافظ ابن تيمية رحمه الله وإن تكلم في كتابه على مسألة الإيمان مفصلًا، لكنه لم يلتفت فيه إلى حل تراجم البخاري، ولم يكن ذلك موضوعه، ولو فعل لأحسن.
فأقول: أما الجواب عن الرابع فإنه سهل، وهو أن الترجمةَ السابقة لم تكن في مسألة الزيادة والنقصان قصدًا، بل كانت استطرادًا، ولذا لم يُخْرِّج لها حديثًا هناك، وههنا قصدي، فلذا أستدل عليها على نهج كتابه.
وأما الجواب عن الثالث: فهو أنه من علوم المصنف رحمه الله تعالى ولا ندري ما وجهه.
وأما الجواب عن الأول، والثاني، فلا يتضح إلا بعد المراجعة إلى حديثهما عند مسلم، وسأذكره، ولكن أذكر أولًا جوابَ الحافظ، قال الحافظ رحمه الله تعالى في الجواب عن الأول، والثاني، ما حاصله: إن الحديثين لما كان صالحين لزيادة الإيمان ونقصانه، والتفاضل في الأعمال، ترجم بكل من الاحتمالين، وخصَّ حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه بالتفاضل في الأعمال؛ لأنه ليس في سياقِهِ ذكرُ التفاوت بين مراتبِ الإيمان، فلم تناسب به ترجمةُ الزيادة والنقصان، بخلاف حديث أنس رضي الله تعالى عنه ففيه التفاوت في الإيمان القائم بالقلب، من وزن الشعيرة، والبُرَّة، والذرة.
وأجاب عن الرابع: أن الزيادة والنقصان فيما مر كان في الإيمان، وأراد ههنا أن يتكلم في زيادة نقس التصديق ونقصانه. قلت: ما ذكره الحافظ رحمه الله تعالى لا يغني شيئًا؛ لأن المصنف رحمه الله تعالى لم يتكلم في زيادة الإيمان باعتبارِ نفسِ التصديق بحرف، وإنما اختار تركُّب الإيمان والزيادة فيه، سواء كانت من تلقاء الأجزاء، أو الأسباب، ولذا لم يقابل بين