4 - كتاب الوُضُوء
1 - باب مَا جَاءَ فِى الْوُضُوءِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6].
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَبَيَّنَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً، وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثًا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلاَثٍ، وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الإِسْرَافَ فِيهِ وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -.
الوضوء: هو الصفاءُ. والنُّور لغةً. وقد أخبرت الشريعة بِوَضاءَة أعضاءِ الوضوءِ في المحشر.
قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} قالوا: معناه إذا قمتم إلى الصُّلاة وأنتم محدِثون. ولا أقولُ بالتقدير بل أقول: معنى الأمر بالوضوء لمن كان محدثًا بالوجوب وإلا فعلى الاستحباب. ويجوز عندي دخول الفَرْضِ والمستحب تحت لفظٍ واحد وليس بمجاز. وإذا صح إطلاق الوُضُوءِ والصَّلاةِ على الفرض والمستحب فأي بأسٍ في إطلاق المشتقِ عليهما.
والعجب من الرَّازي في «المحصول» حيث قال: إنَّ الصلاة حقيقةٌ في الفريضة ومجاز في النافلة. قلت: كلا، بل الحقيقة والمسمَّى في الصورتين واحدةٌ، وإنما الاختلاف بحَسَب الأوصاف وهي من الخارج، فينبغي أن يميز بين الشيءِ وأوصافِه الطارئة من الخارج. وإذا كانت حقيقتُها في الصورتين واحدة لزمَ أن يصحَّ إطلاق اللفظ عليهما حقيقة أيضًا.
ثم إنَّ الشريعة لم توجب عبادةً إلا وُضِعَ من جنسها نفلًا، وفي الفقه أن النذرَ إنَّما ينعقدُ فيما يكون من جنسِهِ واجب، فعُلم أن كلَّ نفلٍ من جنسه واجبٌ أيضًا، ومع هذا ذهب الرازي إلى أن لفظ الصلاة مجازٌ في التطوع. ثم كونُ الأمر للوجوب أيضًا لم يتحقق عندي، بل هو مشترك عندي كما هو رأى الماتُرِيدي، وراجع لتفصيله رسالتي «فصل الخطاب في مسألة الفاتحة خلف الإِمام». ثم إن هذه الآية وإن كانت آخرها نزولًا لكنها مما تقدم حكمها. أقول: وفي «سيرة محمد بن إسحاق» [1] أن جبرائيل عليه السلام لما نزل بخمس آياتٍ من أوائل اقرأ، علَّمه [1] وفي "المشكاة" من باب آداب الخلاء عن زيد بن حارثة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن جبريل أتاه في أول ما أوحي إليه فعلمه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من الماء فنضح بها فرجه. رواه أحمد والدارقطني.