صيانةُ وضوئه عنه، كما عند الطحاوي عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لا يَغْتَسِلُ أحدكُم في الماء وهو جنب»، فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة فقال: «يتناوله تناولًا». وكذا نَهَى الرجلَ عن فَضلِ طَهورِ المرأة. عندي يُبتنى على هذه الدقيقة كما سيجيء تقريره.
والحاصل: أنَّ الماءَ المستعملَ طاهرٌ، لا دليلَ على نجاسته، إلا أنَّ التوقي منه. ثم إن البخاري رحمه الله تعالى استدل على طهارته بفضل طَهور رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولي في استدلاله نَظَرٌ ظاهرٌ، وإن كانت المسألةُ صحيحة في نفسها، لأن العلماء ذهبوا إلى طهارة فَضَلاته صلى الله عليه وسلّم فكيف بفضلِهِ، فلا تقومُ حجة على الطهارة مطلقًا. نعم، يَثْبت طهارة فضله خاصَّة، وبعد فالأمر سهلٌ، ونَسِبَ إلى مالك رحمه الله تعالى أنه مطهِّر أيضًا.
187 - قوله: (الهاجرة) أي نصفُ النهار، سُمِّي بها لأنَّهم يهجرون الطريقَ في هذا الوقت ويجلسون في بيوتهم.
قوله: (فضل وضوئه) أي المتساقط من الأعضاء.
قوله: (فصلَّى النبي صلى الله عليه وسلّم) ... إلخ ولا دليل فيه على الجمع، لأنَّ الراوي بصدد تعديد ما كان من أفعالِه صلى الله عليه وسلّم فجاء الاتصال في الذكر لهذا، لا لأنه تعرَّضَ إلى حال صلاته في الخارج. وهذا كتعديده أشراط الساعة، وربما تكون بينها مدة طويلة، فيجيء أحدٌ من الجهلاء ويظُنها متصلًا واحدًا بعد واحد لمجرد القِران في الذِّكر.
قوله: (فمَسَح رأسي) انظر كيف ظهرَ الفرقُ بين قوله: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وقوله: وامسحوا رءوسكم، فإِنَّ المعتبرَ في الأول هو المسحُ المعهودُ في الشرع، وهو ما يكون بإمرار اليد المبتلة. وأما الثاني فهو على مجرد اللغة، ومعناه إمرار اليد لا غير، ولذا قال: «فمسح رأسي» ولم يَقُل برأسي، وأجد هذا المسح للتبريك في الكتب السَّابقة أيضًا. ومنه سُمِّي المسيح، كأنه مَسَحهُ ربُّه وصار مَسِيحًا بِمسحِهِ، ولذا كان محفوظًا عن نزعة الشيطان ومسحُ رأسِ الصبيان للتبريكِ رائج إلى الآن أيضًا.
189 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ وَهُوَ الَّذِى مَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى وَجْهِهِ وَهْوَ غُلاَمٌ مِنْ بِئْرِهِمْ. وَقَالَ عُرْوَةُ عَنِ الْمِسْوَرِ وَغَيْرِهِ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ. أطرافه 77، 839، 1185، 6354، 6422 - تحفة 11235، 11270
189 - قوله: (كادوا يقتتلون) وهو واقعة صُلح الحُدَيْبِيَة.