حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ - قَالَ وَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِى ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ - ثُمَّ سَمَّى «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِى جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ». وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْهُ قَالَ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَرْعَى فِى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ. أطرافه 520، 2934، 3185، 3854، 3960 - تحفة 9484
240 - قوله: (دعَا عليهم) ولا تفصيل فيه أن هذا الدعاء كان خارجَ الصلاة أو داخلَها. وظاهر «الفتح» [1] أنه كان بعد الفراع عن الصلاة. ثم إنه إن ضَمَّ معه كلمة الدعاء «له» أو «عليه» فقال: اللهم عليك بزيد، أو اللهم اهد لزيد، ففيه قولان، ففي قول تَفْسُد، وفي قولٍ آخَر لا تَفْسُد. أقول: وهذا الأخير أختارُ فلا إشكال.
أما تمسُّك البخاري بالحديث ففيه نظر، أما أوَّلًا: فلأنه لا يدري أنها كانت فريضةً أو نافلةً. وثانيًا: أنه أعادها أم لا؟. وثالثًا: أنه لا دليل فيه على أنه كان يعلم أن على ظهره سَلَى جَزُور بخصوصه. ويمكن أن يكون أحسَّ منه ثِقْلًا فقط بدون علمه ما هو. ورابعًا: أنه ما الدليل على أنه تَمادى في صلاته لأنها كانت جائزة؟ لمَ لا يجوز أن يكون تَمَادَى عليها إبقاءً لأَثَرِ الظُّلم واستغاثةً في جَنَابِه تعالى، وَتَرَحُّمًا منه كما قال في قصة حمزة رضي الله عنه: «لولا صفيته لتركته تأكُلُهُ السِّباع». فهذا أيضًا من باب إبقاء أَثر الشهادة، وتكميل أثر الظلم.
وكما في بئر معونة حيث استُشهد رجلٌ منهم وجعل يُلَطِّخ وجهه بدمه يقول: «فزت وربِّ الكعبة» فهذا أيضًا إبقاء للحالة المحمودة وهي الشهادة، فكذلك يمكن هنا أيضًا. وخامسًا: أنه لا دليل فيه على أن هذا السلا كان نجسًا، وفيه نظر لما في طُرُقه: «سلا جزور بين فرث ودم» وسادسًا: لما في «سيرة الدِّمياطي» [2]: أنها كانت أول واقعة دعا فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم على أَحَد ولم يثبُت منه قبلها دعاءٌ على أحد فهل يصِح التمسكُ من هذه الواقعة الشاذة الفاذة، التي ترك فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم عادته المسمرة؟ يمكن أن يكون دعاؤه صلى الله عليه وسلّم لحال النجاسة، فلو كان الدعاء لحال النجاسة لم يَجُز التمسك به أصلًا، فإِنه لا يدل إذَن على أن صلاته تلك كانت جائزةً مع [1] قال الحافظ في "الفتح": ففي رواية البزَّار فرفع رأسه كما كان يرفعُ رأسَه عند تمام سجوده، فلما قَضى صلاته قال: اللهم. اهـ. ولمسلم والنَّسائي نحوه. والظاهر منه أن الدعاء المذكور وقع خارج الصلاة، لكن وَقَع وهو مستقبلٌ القِبلة، كما ثبت من رواية زهير عن أبي إسحاق عند الشيخين-، قال الشيخ رضي الله عنه: ولعله يكون قطعَ صلاته حينئذٍ ثم دعا عليهم، والله تعالى أعلم. وإن فرضناه أنه مَضى في صلاته ولم يقطعها، يكون إبقاءً للهيأةِ المحمودة، كما سيجيء في الحوض. [2] قال الحافظ في "الفتح": ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث: أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لم أره دعا عليهم إلَّا يومئذٍ" إلخ وفي تقرير الفاضل عبد العزيز: أَنَّ الدمياطي شيخٌ لابن سيد الناس، وابن سيد الناس شيخ لزين الدين، وهو شيخ للعَيْني والحافظ، فكان الدمياطي شيخًا للحافِظَين ابن حجر والعيني بواسطتين.