التلاعب بل توسط في نظرته وشرحها الشرح الذي لا يخرج بها عن معناها ولا يذهب بها كل مذهب.
ومثله في هذا الشيخ أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني الذي يقول: "ما الأشعري إلا رجل مشهور بالرد على أهل البدع وعلى القدرية، وعلى الجهمية متمسك بالسنن".
وليس ببعيد أن المازري حبب إليه الأشعرية ما وجده فيها من شرح السنة كما رآه ابن أبي زيد والقابسي، فإن الأفارقة لما تقلدوا مذهب مالك في الفقه، وهو مذهب أهل السنة، مالوا إلى الأشعري لأنه كالمذهب المالكي في العقائد حيث إن كليهما مبني على السنة الصحيحة مع الملاءمة بين الأحاديث العديدة، وهي المزية التي امتاز بها المذهب المالكي حيث إنه وفق ما بين ما يبدو أنه معارض بعضه لبعض. والأمثلة على ذلك في الفقه المالكي كثيرة مثل البيع والشرط حيث وفق مالك بين الأحاديث الواردة، ولم يلغ منها حديثاً واحداً كما أشار إليه ابن غازي في بيتيه:
بيع الشُّرُوطُ الحنفيُّ حرَّمهْ ... وجَابِرٌ سوَّغَ لابن شُبُرْمَهْ
وَفَصَّلَتْ لابن أبِي لَيْلَى الأمَه ... ومالكٌ إلَى الثلاث قَسَّمَه (105)
وهذه الظاهرة الجامعة تجعل العقيدة والفقه سائرين في مسلك واحد لا يفرق بينهما فارق، والتلاؤم بين أصول العقيدة وأصول العمل محبب إلى النفوس لأن العقيدة هي المحرك للعمل.
ولم يلتق في هذا الجامع خصوص الأئمة الثلاثة: ابن أبي زيد والقابسي والمازري بل غيرهم من أئمة المالكية كلهم على هذا المنهاج سواء في الشرق أو الغرب فهذا الإِمام أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني مثلهم كما
(105) حلي المعاصم، بفكر بنت ابن عاصم (ج 2 ص 8).