الأمَّةِ" [116]. وزعموا أن القدر المذموم المعني في الحديث إنما هو القدر الأول، وليس المعني في الحقيقة الأهم لأنهم شاركوا المجوس والثنوية [117] في إثبات فاعل غير الله تعالى حيث قالوا: العبد يخلق أفعاله، والخير من الله والشر من غيره، والقدرية الأول داخلون في هذه الرذيلة، ويختصون بتلك الأشنوعة، فالقدر الأول والاعتزال أصلان مفترقان، وكا هوى بنفسه.
ويظهر من هذا أن القاضي يحقق أن القدرية طائفتان: القدرية الأولى والقدرية الثانية، وأن المعتزلة القُدامى أخذوا بقول القدرية الأولى واقتدوا في ذلك بالفلاسفة، وهو منه رد لطيف على المازري إذ ينفي عن المعتزلة القول بقول معبد موضحاً له أنهم تدرجوا في نفي القدر، فأولا: نفوه جملة كما يقول معبد، وهو قول الفلاسفة، ثم أدركوا شناعته فذهبوا إلى نفي البعض من القدر وهو الشر. وأثبتوا لله الخير ونفوا عنه الشر وقالوا: إن العبد يخلق أفعاله.
ومع كونهم لم يبقوا على مقالتهم الأولى وانتقلوا إلى ما انتقلوا إليه لم يخرجوا عن كونهم مجوس هذه الأمة كما جاء به الحديث لأنهم شاركوا الثنوية في إثبات فاعل غير الله سبحانه وتعالى. ويأتي الأبِّي الذي ذيل إكمال القاضي عياض في إِكمال الإِكمال، ويريد أن يقف موقفاً يؤيد به ما ذهب إليه المازري بأن القدر الأول يقول به معبد، والقدر الثاني وهو عبارة عن تأثير قدرة العبد والقائل به المعتزلة. [116] هذا الحديث أخرجه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه، عن ابن عمر رضي الله عنه وهو عند السيوطي صحيح، وتمامه: " ... إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم". [117] الثنوية هم أصحاب الاثنين الأزليين يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان، ونسبوا إلى النور الخير ونسبوا إلى الظلمة الشر، فالنفع والصلاح والسرور والنظام والاتفاق من النور وأضدادها من الظلمة إلى غير ذلك من التقابل بين الخير والشر، انظر تفصيل ذلك في الملل (ج 2 ص 72).