وأما "النهي عن الاستنجاء باليمين"، فإنه نهي تأديب وكراهية في قول أكثر العلماء، لأن اليمين مُرْصَدَةٌ في أدب السنة؛ للأكل والشرب، والأخذ والعطاء، مصونة عن مباشرة الأذى وأماكنه؛ وعن مُمَاسَّة الأعضاء التي هي مجاري النجاسات، وجُعِلتِ اليسرى لذلك.
وقال بعض أهل الظاهر: إذا استنجى بيمينه لم يجزه، وجعلوه بمنزلة المستنجي بالروث والرِمّه لاشتراكها, ولأنهما في النهي في حديث واحد.
والفرق بينهما: ما قدمناه من وجه النهي عن الروث والرمة، فإن ذلك المعنى معدوم في اليمين، ولأن الروث والرمة هما المباشران للنجاسة؛ التي يراد إزالتها بالاستنجاء وليست اليد كذلك، فإنها آلة تستعمل في إيصال المزيل إلى محل النجاسة، واليمين فيها والشمال بمعنى.
فآداب الاستنجاء كثيرة، وهي معدودة في كتب الفقه.
وأخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه نهي أن تستقبل القبلة بغائط أو بول؛ ولكن شرقوا وغربوا"، فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بُنِيَت قِبل القلبة؛ فننحرف ونستغفر اللَّه.
هكذا رواه الشافعي في كتاب اختلاف الحديث [1]، ورواه في كتاب الرسالة [2] أن النبي صلى - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها" ثم ذكر ما بعده.
والحديث حديث صحيح، متفق عليه أخرجه الجماعة.
فأما مالك [3]: فأخرجه عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن رافع بن [1] اختلاف الحديث ص 269. [2] الرسالة رقم (811). [3] الموطأ (1/ 172 رقم 1).