الإسلام لوجهن:-
أحدهما: أن الذي ذكرهم أنواعه، ولذلك قدم الأهم منها وهو الصلاة؛ لأنها أشرف العبادات، ولأنها تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات، ثم أردفها بالصوم الذي يتكرر كل سنة؛ ثم أردفه بالزكاة التي تجب على من له مال.
والظاهر من حال الأعراب أن الأكثر منهم لم تكن تجب عليهم الزكاة للفقر المستولي على أكثرهم، ولعل المخاطب قد كان يَعْلَمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - من حاله أنه لا مال له أو لأنه بزيّه وهيئته وكونه قد جاء من أهل نجد ثائر الرأس، وذلك يباين حال المترفين وأصحاب الأموال.
والوجه الثاني: أن هذا السائل كان مسترشدًا طالب هدى؛ والمرشد والهادي ينبغي له أن يوصل السائل إلى الغرض، بألطف وجه وأقرب طريق بما هو أنفع للسائل وأحسن عنده وقعًا وأن يرفق به ولا يبسط القول له ويعدد كل ما يلزمه فيثقل عليه وينفر منه، وأن يكون جوابه على حسب حال السائل؛ ألا تراه قد قال - صلى الله عليه وسلم - وقد سأله رجل أي الإسلام أفضل؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" [1].
وقال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" [2].
وقال -وقد سأله إنسان فقال له: قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك- فقال: "قل آمنت بالله ثم استقم" [3].
وقال: "من صلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا واستقبل قبلتنا؛ فهو المسلم" [4].
وأمثال هذه الأحاديث الدالة، على أنه قالها مناسبة للحال التي قالها فيه، ويجيب حسب ما يقتضيه حال السائل والسامع. [1] أخرجه البخاري (12)، ومسلم (39). كلاهما من حديث عبد الله بن عمرو. [2] أخرجه البخاري (11)، ومسلم (42). كلاهما من حديث أبي موسى الأشعري. [3] أخرجه مسلم (38) من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي. [4] أخرجه البخاري (391) من حديث أنس بن مالك.