الفصل الثالث
في طلبه العلم
قال عبد اللَّه بن الزبير الحُمَيْدي: قال لي الشافعي: كنت يتيمًا في حجر أمي ولم يكن معها ما تعطي للمعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام، فلما ختمت القرآن دخلت المسْجد وكنت أجالس العلماء وأحفظ الحديث أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف، فكنت انظر إلى العظم يلوح فأكتب فيه الحديث أو المسألة وكانت لنا جرة قديمة فإذا امتلأ العظم طرَحتُه فيها.
وقال الزبير بن سليمان القرشي: سمعت الشافعي يقول: طلبت هذا الأمر عن خفة ذات يد، كنت أجالس الناس وأتحفظ، ثم اشتهيت أن أدون، وكنت آخذ العظام والأكتاف فأكتب فيها حتى امتلأ في دارنا من ذلك حُبَّان [1].
وقال الشافعي: كنت أستوهب الظهور من الديوان أكتب فيها, ولم يكن لي مال.
وقال الربيع بن سليمان: قال الشافعي: قدمت على مالك وقد حفظت الموطأ ظاهرًا فقلت: إني أريد أن أسمع الموطأ منك. فقال: اطلب من يقرأ. قلت: لا؛ عليك أن تسمع قراءتي فإن سهل عليك قرأت لنفسي. قال: اطلب من يقرأ لك. فكررت عليه، فقال: اقرأ. فلما سمع قراءتي قال: اقرأ، فقرأتُ عليه حتى فرغت منه. وقال أحمد بن حنبل: قال الشافعي لنا: قرأت الموطأ على مالك لأنه كان يعجبه قراءتي.
قال أحمد: لأنه كان فصيحًا. وقال الحميديّ: قال الشافعي: خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها. [1] الحُبّ: الجرة الضخمة. اللسان مادة: حب.