وكذلك قاله القاضي ابن أبي أوس، ويحيى بن بكير.
قال البيهقي: وهو الصحيح، واختلف فيه على القعنبي.
أما روايتي الشافعي فليس بينهما اختلاف، لأنه قال في الأولى: عمودًا عن يمينه، وعمودًا عن يساره، وقال في الثانية: عمودًا عن يمينه، وعمودين عن يساره، فهو في الأولى لم يتعرض إلى ذكر العمودين، إنما أراد أن يبين أنه صلى بين العمودين، وسواء كان العمودان عن يمينه أو عن يساره؛ لا يضره ذلك لأنه لم يقصد ذكر العمودين.
وأما في الثانية: فإنه ذكر العمودين الباقين، وبَيَّنَ أنهما كانا عن يساره.
ولا تناقض بين روايتيه، إنما التناقض بين روايته الثانية، وبين من روى أنه جعل عن يمينه عمودين، لأنه جعل في الثانية العمودين عن يساره، وغيره جعلها عن يمينه [1] واللَّه أعلم.
والذي ذهب إليه الشافعي: أن صلاة الفريضة والنافلة داخل الكعبة جائزة صحيحة، يستقبل المصلي أي جوانبها شاء، بشرط أن يقابل وجهه جزءًا من جدرانها، وبه قال أبو حنيفة. [1] قال الحافظ في الفتح (1/ 689 - 690).
قال الكرماني: لفظ العمود جنس يحتمل الواحد والاثنين، فهو مجمل بيَّنته رواية (وعمودين)، ويحتمل أن يقال: لم تكن الأعمدة الثلاثة على سمت واحد بل اثنان على سمت والثالث على غير سمتها, ولفظ (المقدمين) في الحديث السابق مشعر به.
قلت (الحافظ): ويؤيده أيضًا رواية مجاهد، عن ابن عمر فإن فيها: (بين الساريتين اللتين على يسار الداخل) وهو صريح في أنه كان هناك عمودان على اليسار، وأنه صلى بينهما، فيحتمل أنه كان ثم عمود آخر عن اليمين لكنه بعيد أو على غير سمت العمودين فيصح قول من قال: (جعل عن يمينه عمودين) وقول من قال: (جعل عمودًا عن يمينه).
وجوزَّ الكرماني احتمالًا آخر وهو أن يكون هناك ثلاثة أعمدة مصطفة فصلى إلى جنب الأوسط، فمن قال: جعل عمودًا عن يمينه وعمودًا عن يساره لم يعتبر الذي صلى إلى جنبه، ومن قال عمودين اعتبره أهـ.