{وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [1] -فيمن قرأ بفتح التاء- تنبت ملتبسة ومختلطة بالدهن، وكذلك هذا توضأ ملتبسًا بالماء ومخالطًا له. والأول أقوى لأن الوضوء على الحقيقة إنما جعل بالماء وحده مع النية عند من اشترطها.
وقولى: "بماء البحر" مطلقًا يحتمل ظاهر إطلاقه أن الوضوء يجوز بجميع ماء البحر وأن يكون ببعضه -وهو المراد- كما تقول: شربت ماء النهر، يجوز في إطلاق هذا اللفظ الأمران ولكن الفرض البعض لا الكل، وقد قال الفقهاء: إذا حلف: ليشْربنَّ ماء البحر أنه يجزئه أن يشرب منه أقل ما يطلق عليه اسم المائية ولا يكلف شرب جميعه، وقيل في وجه: إنه يحنث في الحالات لأن شرب جميعه يلزمه بمقتضى يمينه؛ وذلك محال على أن لِباب الأيمان حكمًا لا يعم غيره إذ مبناه على العُرْف، وقوله في الرواية الأخرى "أفنتوضأ من ماء البحر" ظاهر لا يحتاج إلى تخصيص لأنه جاء بلفظة "من" التي هي للتبعيض وهي تفيد الغرض المطلوب من الرواية الأولى في أحد مدلولي الباء.
وقولى: "الطَّهور"، بفتح الطاء هو البالغ في الطهارة، وهي التنزه عن الأدناس والنجاسات، يقال: طَهُور وطَهُرَ يَطْهُرُ طَهَارَةً فيها فهو طاهر، وتَطَهَّرَ يَتَطَهَّرُ تَطَهُّرًا، والاسم الطَّهُور، والماء الطاهر له وصفان؛ أحدهما: طاهر غير مطهر، والثاني: طهور.
فالطاهر هو الذي ليس بنجس ويدخل فيه المستعمل في رفع الحدث؛ وهذا الماء لا يرفع به الحدث ولاتزال به النجاسة ولكن يجوز شربه والطبخ به وحمله في الصلاة ولا يغسل به الثوب ولا البدن لأنه طاهر [2]، وأما الطهور فهو الذي [1] المؤمنون: (20). [2] وفي المسألة خلاف طويل بين أهل العلم.
قال ابن قدامة: ظاهر المذهب أن المستعمل في رفع الحدث طاهر غير مطهر لا ورفع حدثًا =