الترجيح: يترجح القول الأول، وهو جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة مسلمين كانوا أو كفارا؛ وذلك لقوة أدلته، وإمكان الإجابة عن دليل القول الثاني، ويتضح ذلك بما يلي:
1 - عموم النصوص، كقوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قلُوبُهُمْ} [1]، فهو لفظ محكم يشمل المسلم والكافر، ولا ناسخ له أو مخصص، فيبقى على عمومه وإحكامه، وكذا قد وردت السنة بإعطاء هذا الصنف من الصدقات، ولا ناسخ أو مخصص لهذا الحكم أيضًا.
2 - أن العلل المقصودة من شرع هذا المصرف باقية إلى قيام الساعة من نصرة المسلمين أو استنقاذ الكافرين من النار، وانتفاؤها أو خفاؤها في زمن لا يعني انتفاءها في سائر الأزمان، بل إنها تزيد ظهورا مع تأخر الزمان؛ لضعف المسلمين وتسلط الكافرين.
3 - أن المقاصد الشرعية تؤيد بقاء هذا المصرف وعمومه؛ لما فيه من إعزاز للمسلمين، وهداية لغيرهم إلى الدين القويم، وهو نوع من الجهاد في سبيل الله بالمال. وقد قال الإمام أبو جعفر الطبري [2] في تفسيره - في تأييد هذا المعنى - كلاما متينا، ونصه كما يلي: "والصواب من القول في ذلك عندي: أن الله جعل الصدقة في معنيين أحدهما: سد خَلّة المسلمين، والآخر: معونة الإسلام وتقويته، فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه فإنه يُعطاه الغني والفقير؛ لأنه لا يُعطاه مَن يُعطاه [1] سورة التوبة (60). [2] محمد بن جرير بن يزيد الطبري ولد سنة 224 هـ من الأئمة المجتهدين، برع في التفسير والحديث والفقه والتاريخ، ومن المكثرين من التأليف، صاحب كتاب الجامع لتأويل القرآن المشهور بتفسير الطبري، وكتاب تاريخ الأمم والملوك، وكتاب اختلاف الفقهاء، وغيرها، توفي سنة 310 هـ ينظر: وفيات الأعيان (3/ 372)، وسير أعلام النبلاء (14/ 267).