خامساً: صفة رمي الجمرات أيام التشريق الثلاثة:
يجب الترتيب [2] في رمي الجمار أيام التشريق الثلاثة على النحو الآتي: [1] انظر: رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام، للدكتور الشريف، طبع جامعة أم القرى، ص 101 - 102. [2] مسائل في رمي الجمرات على النحو الآتي:
المسألة الأولى: يجب الترتيب في رمي الجمرات على الصحيح في أيام التشريق، فيبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف، فيرميها بسبع حصيات، مثل حصى الخذف، يكبر مع كل حصاة، ثم الجمرة الوسطى، ثم العقبة كذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك وقال: ((خذوا عني مناسككم)) [أضواء البيان، 5/ 295، 303، والمغني لابن قدامة، 5/ 329، ومجموع فتاوى ابن باز،
16/ 145، و17/ 377، وذكر شيخنا هنا أنه إن لم يرتب ناسياً أو جاهلاً فذكر في وقت الرمي قبل انقضاء أيام التشريق أعاد، فيبدأ بالجمرة الوسطى، ثم العقبة، حتى يحصل بذلك الترتيب، أما إذا ذكره بعد انتهاء أيام التشريق فنرجو أن لا يكون عليه شيء لأجل الجهل والنسيان، 17/ 377.
المسألة الثانية: لا بد من رمي الحصاة بقوة، فلا يكفي طرحها، ولا وضعها باليد في المرمى؛ لأن ذلك ليس برمي في العرف [أضواء البيان، 5/ 296 - 297]، [وانظر: كتاب رمي الجمرات للدكتور الشريف، ص 31 - 32].
المسألة الثالثة: الرمي بالحصى الذي مثل حصى الخذف؛ لحديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، قال: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمرة بمثل حصى الخذف)) [مسلم، برقم 1299]، والخذف: الرمي بحصاة أو نحوها بالسبابة والإبهام أو بالسبابتين، وقد حددها فقهاء الحنابلة بأنها أكبر من الحمص، ودون البندق، كما حدّدها بعض فقهاء الشافعية بأنها دون الأنملة [رأس الأصبع] طولاً وعرضاً، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخذف الذي مثَّل بحصاته [رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام، ص 33]، وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 289.
المسألة الرابعة: الشك في وقوع الحصى في المرمى [الحوض] قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((من شك هل وقع الحصى في المرجم أم لا فعليه التكميل حتى يتيقَّن)).
وقال رحمه اللَّه: ((ولا بد في رمي الجمار من أن يتحقَّق أو يغلب على ظنه أن الحجر وصل إلى الحوض، فإن لم يتحقَّق ذلك، أو يغلب على ظنه أعاد الرمي في الوقت؛ فإن خرج من منى ولم يعد فعليه دم؛ لأنه ترك واجباً، أما إذا تيسَّر له أن يعيد الرمي في أيام منى أعاده مرتَّباً بالنية، ولا شيء عليه)) [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 145، و173، و17/ 177، 309، 379، و30/ 195].
المسألة الخامسة: اعلم أن جماعة من أهل العلم قالوا: يستحب رمي جمرة العقبة راكباً إن أمكن، ورمي أيام التشريق ماشياً في الذهاب والإياب إن أمكن، وهذا من باب السنة. [أضواء البيان، 5/ 308].
المسألة السادسة: إذا رمى النائب عن العاجز ثم زال عذر المستنيب وأيام الرمي باقية، فقال مالك: يقضي كل ما رماه عنه النائب مع لزوم الدم، وقال بعض أهل العلم: لا يلزمه قضاء ما رمى عنه النائب؛ لأن فعل النائب كفعل المنوب عنه، فيسقط به الفرض، ولكن يندب إعادته، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي، وفي المسألة أقوال أخرى، ورجَّح الشنقيطي في أضواء البيان: أنه يرمي جميع ما رمي عنه، ولا شيء عليه؛ لأن الاستنابة إنما وقعت لضرورة العذر، فإذا زال العذر والوقت باقٍ، فعليه أن يباشر فعل العبادة بنفسه [أضواء البيان، 5/ 309 - 310]. [وانظر أيضاً: رمي الجمرات للدكتور شرف الشريف، ص 133].
المسألة السابعة: اختلف العلماء رحمهم اللَّه في القدر الذي يوجب تركه الدم من رمي الجمار على أربعة أقوال:
القول الأول: ذهب مالك وأصحابه إلى أن من أخَّر رمي حصاة واحدة من واحدة من الجمرات إلى الليل لذلك اليوم لزمه دم، وما فوق الحصاة أحرى بذلك سواء عندهم في ذلك رمي جمرة العقبة يوم النحر ورمي الثلاثة أيام التشريق، ومعلوم أن من توقَّف من المالكية في كون الرمي ليلاً قضاء يتوقف في وجوب الدم إن رمى ليلاً، ولكن مشهور مذهبه أن الليل قضاء. [أضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 304].
القول الثاني: وذهب أبو حنيفة، وأصحابه إلى أن الدم يلزمه بترك رمي الجمرات كلها، أو رمى يوماً واحداً من أيام التشريق، وكذلك رمي جمرة العقبة، فرمي جمرة العقبة، ورمي يومٍ من أيامِ التشريق، ورمي الجميع سواء عندهم فيما يلزم في كل واحد منها دم واحد، وما هو أكثر من نصف رمي يوم عندهم كرمي اليوم يلزم فيه دم، فلو رمى جمرة وثلاث حصيات من جمرة وترك الباقي فعليه دم؛ لأنه رمى عشر حصيات، وترك إحدى عشرة حصاة، فإن ترك أقل من نصف رمي يومٍ كأن ترك جمرة واحدة، فلا دم عليه، ولكن عليه الصدقة عندهم، فيلزمه لكل حصاة نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو شعير إلا أن يبلغ ذلك دماً فينقص ما شاء هكذا يقولون، وليس لهم مستند من النقل، وغاية ما عندهم من الاستدلال: هو أن رمي اليوم الواحد نسك واحد، فمن ترك جمرة في يوم لم يترك نسكاً، وإنما ترك بعض نسك، والدم يلزم عند أبي حنيفة بفوات الرمي في يومه وليلته التي بعده، ولو رماه من الغد في أيام التشريق، وخالفه في ذلك صاحباه. [أضواء البيان، 5/ 304].
القول الثالث: مذهب الشافعي: أنه إن ترك رمي الجمار الثلاث في يوم من أيام التشريق لزمه دم، وإن ترك ثلاث حصيات من جمرة فما فوقها لزمه دم؛ لأن ثلاث حصيات فما فوقها يقع عليها اسم الجمع، فصار تركها كترك الجمع، وإن ترك حصاة واحدة فثلاثة أقوال عندهم: يجب عليه ثلث دم، والقول الثاني مُدّ، والقول الثالث درهم، وحكم الحصاتين كذلك، قيل: يلزمه ثلثا دم، وقيل: مدان، وقيل: درهمان، فإن ترك الرمي في أيام التشريق كلها فعلى القول المشهور عندهم أنها كيوم واحد، واللازم دم واحد.
وقولٍ للشافعية ثانٍ: وهو أن الجمرات الثلاث كلها كالشعرات الثلاث، فلا يكمل الدم في بعضها بل لا يلزم إلا بترك جميعها، بأن يترك رمي يوم، وعليه فإن ترك رمي جمرة من الجمار ففيه الأقوال الثلاثة المشهورة عندهم فيمن حلق شعرة أظهرها مُدّ، والثاني درهم، والثالث: ثلث دم، فإن ترك جمرتين فعلى هذا القياس: وهو لزوم مدين، أو درهمين، أو ثلثي دم، وعلى هذا لو ترك حصاة من جمرة، فعلى أن في الجمرة ثلث دم يلزمه في الحصاة جزء من واحد وعشرين جزءاً من دم، وعلى أن فيها مدّاً، أو درهماً، ففي الحصاة سبع مد، أو سبع درهم ... )) [أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 305].
القول الرابع: وهو مذهب الإمام أحمد: أن من أخّر الرمي كله عن أيام التشريق فعليه دم، وعنه في ترك الجمرة الواحدة دم، ولا شيء عنده في الحصاة والحصاتين، وعنه يتصدق بشيء، وعنه أن في الحصاة الواحدة: دماً كقول مالك، وعنه أن في ثلاث حصيات دماً كأحد قولي الشافعي، وفيما دون ذلك كل حصاة كأحد الأقوال عند الشافعي، والعلم عند اللَّه تعالى. [أضواء البيان للشنقيطي،
5/ 303 - 308، وقد ذكر أدلة كل فريق هناك] [وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 380].
قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((فاعلم أن دليلهم في إجماعهم على أن من ترك الرمي كله وجب عليه دم، هو ما جاء عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما موقوفاً عليه: ((من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً))، وهذا صح عن ابن عباس موقوفاً)). [أضواء البيان، 5/ 306].
ثم قال: أما اختلاف العلماء في لزوم الدم بترك جمرة أو رمي يوم، أو حصاة، أو حصاتين إلى آخر ما تقدم، فهو من نوع الاختلاف في تحقيق المناط، فمالك مثلاً القائل بأن في الحصاة الواحدة دماً، يقول: الحصاة الواحدة داخلة في أثر ابن عباس المذكور، فمناط لزوم الدم محقق فيها؛ لأنها شيء من نسك، فيتناوله قوله: ((من نسي من نسكه شيئاً أو تركه ... )) إلى آخره؛ لأن لفظة: شيئاً: نكرة في سياق الشرط، فهي صيغة عموم.
والذين قالوا: لا يلزم في الحصاة والحصاتين دم، قالوا: الحصاة والحصاتان لا يصدق عليهما نسك، بل هما جزء من نسك، وكذلك الذين قالوا: لا يلزم في الجمرة الواحدة دم، قالوا: رمي اليوم الواحد نسك واحد، فمن ترك جمرة واحدة في اليوم لم يترك نسكاً، وإنما ترك بعض نسك، وكذلك الذين قالوا: لا يلزم إلا بترك الجميع، قالوا: إن الجميع نسك واحد، والعلم عند اللَّه تعالى. [أضواء البيان، 5/ 307 - 308].
المسألة الثامنة: استقبال القبلة في رمي الجمرة الصغرى فيجعلها بين يديه ويرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، ثم الوسطى كذلك، هذا هو الأفضل، وبعض الفقهاء يطلق فيقول: يستقبل القبلة أثناء رمي الجمرة الصغرى والوسطى، وبيَّن العلامة ابن عثيمين رحمه اللَّه أن في هذا صعوبة، ولكن الصحيح أنه يستقبل القبلة، ويجعل الجمرة الصغرى بين يديه، والوسطى كذلك. هذا هو الأفضل. أما العقبة فتقدم الكلام في صفة الرمي لها. [انظر: كتاب رمي الجمرات، وما يتعلق به من أحكام، للدكتور الشريف، ص 119، والمغني لابن قدامة، 5/ 326].
المسألة التاسعة: قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم: أن التحقيق في عدد الحصيات التي ترمى بها كل جمرة: سبع حصيات، وأحوط الأقوال في ذلك قول مالك وأصحابه، ومن وافقهم: أن من ترك حصاة واحدة كمن ترك رمي الجميع، وقال بعض أهل العلم: يجزئه الرمي بخمس أو بست)). [أضواء البيان، 5/ 310]. ومجموع الحصى سبعون حصاة: سبع ترمى بها جمرة العقبة يوم النحر، وثلاث وستون ترمى بها الجمرات الثلاث أيام التشريق الثلاثة في كل يوم إحدى وعشرين حصاة كل جمرة سبع، وقال ابن قدامة في المغني: والأولى أن لا ينقص في الرمي عن سبع حصيات؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى بسبع حصيات، فإن نقص حصاة أو حصاتين فلا بأس، ولا ينقص أكثر من ذلك، نصَّ عليه، وهو قول مجاهد، وإسحاق، وعنه: إذا رمى بستٍّ ناسياً فلا شيء عليه، ولا ينبغي أن يتعمَّده، فإن تعمَّد ذلك تصدق بشيء، وكان ابن عمر يقول: ما أبالي أرميت بسبعٍ أو ست، وقال ابن عباس: ما أدري رماها النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبعٍ أو ست، وعن أحمد: أن عدد السبع شرط، ويشبه مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى بسبع، وقال أبو حبَّة: لا بأس بما رمى به الرجل من الحصى، فقال عبد اللَّه بن عمرو: صدق أبو حبّة، وكان أبو حبّة بدريّاً، ووجه الرواية الأولى ما روى ابن أبي نجيح، قال: سئل طاوُسٌ عن رجلٍ ترك حصاةً قال: يتصدق بتمرة أو لقمة، فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إن أبا عبد الرحمن لم يسمع قول سعدٍ، قال سعد: رجعنا من الحجة مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، بعضنا يقول: رميت بستٍّ، وبعضنا يقول: بسبعٍ، فلم يعب بعضنا على بعض، رواه الأثرم وغيره، ومتى أخلَّ بحصاةٍ واجبة من الأولى لم يصحّ رمي الثانية حتى يكمل الأولى، فإن لم يدرِ من أي الجمار تركه بنى على اليقين ... )) [المغني، 5/ 330].
قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 311: ((والتحقيق أنه لا يجوز أقل من سبع حصيات للروايات الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يرمي الجمار بسبع حصيات مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم))، فلا ينبغي العدول عن ذلك؛ لوضوح دليله، وصحته ... والظاهر أن من شكّ في عدد ما رمى يبني على اليقين، وروى البيهقي عن عليٍّ - رضي الله عنه - ما يؤيِّده)). [وانظر أيضاً: رمي الجمرات للدكتور شرف الشريف، ص 39 - 40].
قلت: وأما قول سعد بن ابي وقاص: ((رجعنا ... )) إلى قوله: بعضنا يقول: رميت بستٍ، وبعضنا يقول: بسبعٍ، فلم يعب بعضنا على بعض)) [رواه البيهقي، 5/ 149]، فقال ابن التركماني: سكت عنه، وقال الن القطان: لا أعمل لمجاهد سماعاً من سعد، وقال الطحاوي في أحكام القرآن: حديث منقطع لا يثبت أهل الإسناد مثله، وذكر ابن جرير في التهذيب أنه لم يستمر العمل به؛ لأنه لم يصح ... )) [الجوهر النقي لابن التركماني، المطبوع مع سنن البيهقي الكبرى، 5/ 149].
المسألة العاشرة: تكسير الحصى: ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر ابن عباس أن يلقط له الحصى، واللقط هو: أخذ الحجارة الصغيرة جاهزة دون حاجة إلى تكسير، فإذا بحث الحاج عن حجارة صغيرة ولم يجد، وتعسر عليه ذلك، فلا بأس من أخذ حجر كبير وتكسيره إلى أحجار صغيرة يرمي بها، وأجمع الفقهاء أن اللقط أولى من تكسيره؛ للحديث: ((القط لي حصى))؛ ولأن التكسير لا يؤمن أن يطير إلى الإنسان منه شيء يؤذيه. [المغني، 5/ 288، والشرح الكبير مع الإنصاف، 9/ 188، ورمي الجمرات، ص 38].
المسألة الحادية عشرة: يجزئ الرمي بكل ما يسمى حصى، وهي الحجارة الصغيرة، سواء كان: أبيض، أو أسود، أو أحمر، [انظر: المغني لابن قدامة، 5/ 289].
المسألة الثانية عشرة: اتفق الأئمة الأربعة على أنه يجوز أن يأخذ الحصى من حيث شاء: من مزدلفة أو منى، ولكن الأفضل أن يأخذ سبع حصيات يوم النحر لرمي جمرة العقبة صباحاً؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويلتقط أيام التشريق كل يومٍ إحدى وعشرين حصاة من منى [ويكره أن يأخذ الحصى من المسجد، ومن الحل خارج الحدود للحرم، ومن المواضع المتنجسة، كالمراحيض، والحمامات المتنجسة، أو من الحصى الذي قد رمي به] [رمي الجمرات للدكتور شرف الشريف، ص 43 - 46]، قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((يُؤخذ الحصى من منى، وإذا أخذ حصى يوم العيد من المزدلفة فلا بأس، وهي سبع يرمي بها يوم العيد جمرة العقبة، ولا يشرع غسلها، بل يأخذها من منى أو المزدلفة ويرمي بها، أو من بقية الحرم، يجزئ ذلك ولا حرج فيه، وأيام التشريق يلقطها من منى ... )) [مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 293].
المسألة الثالثة عشرة: استحب الفقهاء على الاقتصار على لقط الحصى من مزدلفة أو منى؛ لأنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه أخذه من غيرهما، كما اتفق الفقهاء على كراهة الرمي كراهة تنزيهية، بحجر أُخذ من خارج حدود الحرم المكي (الحل) أو أخذه من موضع نجس كالمرحاض، أو أخذه من المسجد؛ لئلا يخرج حصى المسجد منه [رمي الجمرات، ص 47].
المسألة الرابعة عشرة: اتفق الفقهاء على جواز الرمي بالحصى الذي لم يُغسل، ولكنهم اختلفوا في استحباب غسله، والراجح عدم استحباب الغسل، إلا إذا رأى في الحصى نجاسة ظاهرة ولم يجد غيرها، فتغسل النجاسة؛ لئلا تتنجس اليد أو الثياب [المغني لابن قدامة،
5/ 291، ورمي الجمرات، ص 52 - 53، ومجموع فتاوى ابن باز، 16/ 145].
المسألة الخامسة عشرة: الرمي بحجر قد رمي به، اختلف الفقهاء في ذلك، والخلاصة: أنه إن وجد حجراً قرب الجمرات وغلب على ظنه أنه لم يرمَ به فلا بأس بالرمي به، أما الذي يغلب على ظنه أنه قد رمي به، أو تيقّن ذلك، أو أخذه من المرمى فاختلف العلماء في ذلك، فقال الشافعي: يجزئه ذلك، وكذلك جمهور المالكية، والأحناف، مع الكراهة، وأجازه ابن حزم على الإطلاق، وقال الحنابلة وبعض المالكية: لا يصح الرمي به، والذي يظهر واللَّه أعلم أن الأحوط أن لا يرمى به؛ لحديث: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))، فإن رمى به أجزأه لعدم الدليل [المغني لابن قدامة، 5/ 290، ورمي الجمرات، ص 48 - 50].
المسألة السادسة عشرة: بيع الحصى وشراؤه، الذي يظهر واللَّه أعلم أنه مثل بيع الماء، الذي يشترك في ملكه جميع الناس؛ لأنهم شركاء فيه، وفي النار، والكلأ، ففي بيع هذه الثلاث خلاف قبل حيازتها، وأما بعد حيازة الماء في الإناء فإنه يجوز بيعه؛ لأنه حازه في إنائه وملكه، فكذا الحصى إذا حازه وملكه بالحيازة، واللَّه تعالى أعلم [انظر: المغني لابن قدامة، 5/ 290، ورمي الجمرات، ص 54].
المسألة السابعة عشرة: الموالاة بين الرمي، فقد اختلف العلماء في اشتراط الموالاة بين رمي الجمرة الواحدة، أو رمي الجمرات الثلاث، فجمهور العلماء: من الحنفية، والحنابلة، والقول الصحيح عند الشافعية، والمالكية، إن الموالاة بين الجمرة الواحدة في رميها، وبين الجمرات الثلاث مستحبة، وليست شرطاً في صحة الرمي، وقال بعض الشافعية وبعض المالكية بأن الموالاة شرط في صحة الرمي إذا كان التفريق طويلاً، أما إذا كان يسيراً فلا يضرُّ. والأقرب واللَّه أعلم رأي الجمهور، ولكن الأفضل الموالاة؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد والى في رميه. واللَّه أعلم، [انظر: رمي الجمرات، ص 72، وحاشية الروض المربع، 4/ 178].
المسألة الثامنة عشرة: إذا أغمي على المحرم قبل أن يوكِّل عنه أحداً في الرمي فلا يُرمى عنه، فإذا زال عنه الإغماء في وقت الرمي رمى إن استطاع، أو وكَّل، فإن زال عنه بعد فوات الرمي فَدَى، أما إذا وكَّل المريض ثم أغمي عليه؛ فإن الوكيل يرمي عنه، ولا تنقطع الوكالة بالإغماء، كما لو وكَّل في الحج، ثم أغمي عليه. والعلم عند اللَّه تعالى. [انظر: الجمرات، ص 137، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 9/ 250]. [وانظر: أحكام من فاته الرمي فإنه يجب عليه دم، مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 173، 17/ 369، 379، 23/ 460].
المسألة التاسعة عشرة: من فاته رميُ يومٍ من أيام التشريق رماه في اليوم الذي بعده، وكذلك من فاته رمي جمرة العقبة فلم يرمه يوم النحر، ولا في الليل بعد الغروب رماه بعد الزوال في اليوم الذي بعده. [انظر: المغني لابن قدامة، 5/ 295]، قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((إذا أخَّر رمي يوم إلى ما بعده، أو أخَّر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ترك السنة، ولا شيء عليه، إلا أنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، وبذلك قال الشافعي، وأبو ثور، ... )) [المغني 5/ 333].
وقد تقدم الخلاف في ذلك في آخر وقت الرمي أيام التشريق في الحاشية.
وأفتى شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: أنه يصح تأخير الرمي كله إذا دعت الحاجة إلى ذلك إلى اليوم الثالث عشر، ويرمي مرتباً، فيبدأ برمي جمرة العقبة عن يوم النحر، بعد الزوال، ثم يرمي الجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم العقبة عن اليوم الحادي عشر، ثم يرجع فيرمي الثلاث الجمرات عن اليوم الثاني عشر، ثم يرجع فيرميهن عن اليوم الثالث عشر إن لم يتعجّل، لكنه يعتبر مخالفاً للسنة؛ فإن السنة أن يرمي كما رمى النبي - صلى الله عليه وسلم -. [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 145، و17/ 375، وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 295، و5/ 333، وأضواء البيان للشنقيطي، 5/ 299].
والدليل على جواز ذلك هو ترخيص النبي - صلى الله عليه وسلم - للرعاة: ((أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً)) فقد حصل الترخيص في رمي اليومين في اليوم الثاني منهما، وتقدم.
نام کتاب : مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة نویسنده : القحطاني، سعيد بن وهف جلد : 1 صفحه : 547