الفصل الثالث: الربا في الجاهلية
لقد كان الربا منتشراً في عصر الجاهلية انتشاراً كبيراً، وقد عدّوه من الأرباح العظيمة – في زعمهم – التي تعود عليهم بالأموال الطائلة، فقد روى الإمام الطبري – رحمه الله – بسنده في تفسيره عن مجاهد أنه قال: ((كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدَّين فيقول: لك كذا وكذا، وتؤخر عني فيؤخر عنه)) [1].
وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدَّين قال من هو له لمن هو عليه: أتقضي أم تُربِي؟ فإذا لم يقض زاد مقداراً في المال الذي عليه، وأخّر له الأجل إلى حين.
وقد كان الربا في الجاهلية في التضعيف أيضاً، وفي السِّنِّ كذلك، فإذا كان للرجل فضل دَين على آخر فإنه يأتيه إذا حلّ الأجل، فيقول له: تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضاه، وإلا حوّله إلى السّنِّ التي فوق سنِّه من تلك الأنعام التي هي دَين عليه، فإن كان عليه بنت مخاض، جعلها بنت لبون في السنة الثانية، فإذا أتاه في السنة الثانية ولم يستطع القضاء، جعلها حِقّة في السنة الثالثة، ثم يأتيه في نهاية الأجل فيجعلها جذعة، ثم رباعيّاً، وهكذا حتى يتراكم على المدين أموال طائلة.
وفي الأثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده في العام القابل أضعفه أيضاً، فإذا كانت مائة جعلها إلى قابل [1] جامع البيان في تفسير آي القرآن، للطبري، 3/ 67.