وتوافد عليها علماء المشرق والمغرب من أمثال ابن خلكان الإربلي، وابن مالك الأندلسي، وابن منظور الإفريقي، وابن خلدون المغربي، وغيرهم.
وقد شعر علماء ذلك العصر بنقص الكتب في أيامهم، فقال الإمام السيوطي في المزهر[1] بعد ذكر حكاية الصاحب بن عباد، لما دعي للذهاب إلى بعض الملوك فاعتذر بمشقة الانتقال؛ لأنه يحتاج إلى ستين بعيرًا ينقل عليها كتب اللغة التي كانت عنده: "وقد ذهب جُلٌ الكتبِ في الفتن الكائنة بين التتر وغيرهم؛ بحيث إن الكتب الموجودة الآن في اللغة من تصانيف المتقدمين والمتأخرين لا يجيء حمل جمل واحد".
وإذا كان السيوطي -رحمه الله- يبالغ في ذلك إلا أنه إن دل على شيء فإنما يدل على مقدار قلق العلماء لضياع الكتب بالفتن، ويدل أيضا على كثرة الكتب التي ضاعت، سواء بالحرق أو بإلقائها في نهر دجلة.
وكان إحراق الكتب قد بدأ في المملكة الإسلامية قبل ذلك بسبب التنازع بين الفرق الإسلامية؛ فكل فرقة تحاول إحراق كتب الأخرى؛ كإحراق السلطان محمود الغزنوي لكتب المُعتزلة، وناهيك عمّا أحرق من كتب العلماء المتهمين بالزندقة والفلسفة، وهي كثيرة، ولعل بينها ما ليس مثله بين ما بقي كما قال جرجي زيدان[2].
أما التتار فبالغوا في الإحراق والتخريب؛ قال ابن تغري بردي: "وخربت بغداد الخراب العظيم، وأُحرقت كتبُ العلم التي كانت بها [1] 1/ 49. [2] ينظر: تاريخ آداب اللغة العربية 3/ 113.