غيره في أنفسها أقوى منه لإيثارها التخفيف" معناه: أن الأصل قد يُخالف في لسان العرب اختيارًا للتخفيف، واختصاصًا به، وإيثارًا له. والمثال الثالث: قال سيبويه: "سمعنا بعضهم يدعو: اللهم ضبعًا وذئبًا، فقلنا له: ما أردت؟ قال: أردت اللهم اجمع فيها ضبعًا وذئبًا، كلهم يفسر ما نوى". قال ابن جني: "فهذا تصريح منهم بما ندعيه عليهم، وننسبه لهم" انتهى.
أي: تصريح منهم بالعلة التي ذكرناها منسوبة إليهم، فضبعًا منصوب بفعل مضمر تقديره: اجمع أو اجعل، وقد ذكر سيبويه هذا المثال في باب ما جرى من الأمر والنهي على إضمار الفعل المستعمل إظهاره. ومن تمام الفائدة أن نذكر هنا عبارة سيبويه، فقد قال -رحمه الله: "وهذه حجج سُمعت من العرب، وممن يُوثق به، يزعم أنه سمعها من العرب، من ذلك قول العربي في مثل من أمثالهم: اللهم ضبعًا وذئبًا، إذا كان يدعو بذلك على غنم رجل، وإذا سألتهم ما يعنون، قالوا: اللهم اجمع أو اجعل فيها ضبعًا وذئبًا، وكلهم يفسر ما ينوي" انتهى. فقوله: "يفسر ما ينوي"، أي: يعلل النصب في قوله: "ضبعًا"؛ إذ ذهب إلى أنه على إضمار فعل، ففسر ما قصد من العامل المحذوف، مع أنه لا دليل عليه في الكلام.
الإيماء الإيماء في اللغة مصدر الفعل الرباعي أومأ بمعنى: أشار إشارة خفية، وقيل: إن أصله الإشارة بالشفة والحاجب، وأما عند الأصوليين فهو اقتران وصف ملفوظ بحكم، ولو مستنبطًا إلى آخر ما بسطوه. ومن سنن العرب أن تُشير إلى المعنى إشارة، وتومئ إيماء دون التصريح، والمراد به هنا: الدلالة على العلة من طريق الإشارة إليها، دون أن يكون في الكلام دلالة على المراد لا بالمنطوق، ولا بالمفهوم، ولا بالتعريض، ولا بالكناية. ويُعدُّ هذا المسلك مقابلًا لمسلك النص؛