على أن الكلمة خبر كانتا؛ لأنها مثنى فعول كصبور، والمثنى يُنصب بالياء، فقال الفرزدق: لو شئت أن أسبح لسبحت، أو قال: لو شئت أن أسبِّح لسبَّحت أي: يجوز أن أسبح وهو مضارع سبح، كمنع، والمعنى عليه. لو أردت أن أخوض فيما لا يعني، وأسبح في لجة الحدس والتخمين والجهل بلا معرفة؛ لفعلت. ويجوز ضم الهمزة وشد الموحدة من التسبيح، والمعنى عليه أي: لسبحت الله تعجبًا من جهلك، فإن التسبيح يُذكر في مقامات التعجب كثيرًا. قال الفرزدق ذلك ونهض، فلم يعرف أحد في المجلس ما أراد"، أي: ما قصده من التخطئة، والتعجب من الجهل.
قال ابن جني: "أي: لو نصب لأخبر أن الله خلقهما وأمرهما أن تفعلا ذلك، وإنما أراد أنهما تفعلان بالألباب ما تفعل الخمر، وقال: كان هنا تامَّة غير محتاجة إلى الخبر، فكأنه قال: وعينان قال الله: احدثا فحدثتا، أو اخرجا إلى الوجود فخرجتا" انتهى. فقد أنشد الفرزدق البيت برفع فعولان على الاستئناف وإضمار المبتدأ، والتقدير: هما فعولان بالألباب ما تفعل الخمر، والمعنى على هذا الإنشاد: أن كان في البيت تامة لا تحتاج إلى الخبر، فكأنه قال: احدثا فحدثتا، ثم استأنف قائلًا: هما تفعلان بالألباب ما تفعل الخمر، فدل الفرزدق بالإيماء على أن كان تامة، وليس في لفظه ما يدل على تمامها، لا بالمنطوق، ولا بالمفهوم، ولا بالتعريض، ولا بالكناية، ولو أنه أنشد البيت بالنصب لقال:
وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولين بالألباب ما تفعل الخمر
وكان المراد أنه يُخبر بأن الله خلقهما، وأمرهما أن تفعلا ذلك، وقد تعجَّب الفرزدق من قول ابن أبي إسحاق: "ما كان عليك لو قلت: فعولين"، وقام منصرفًا؛ إظهارًا للإعراض عنه، لأنه لم يرد بإنشاد البيت أن تكون كان ناقصة،