الصالح بطريق النظر والاختبار. وتجدر الإشارة هنا إلى أمر مهم، وهو أنه إذا كان التقسيم هو ذكر الأقسام المحتملة، فليست جميع الأقسام المحتملة تصلح لأن تذكر في السبر والتقسيم، بل يجوز ذكر بعضها، ويمتنع ذكر بعضها الآخر. فالذي يُذكر هو ما كان قريبًا وحسنًا، والذي يمتنع ذكره هو ما كان بعيدًا وقبيحًا، وقد عقد ابن جني في (الخصائص) بابا عنوانه: باب في الاقتصار في التقسيم على ما يقرب ويحسن، لا على ما يبعد ويقبح.
وقد بين في هذا الباب أن هناك وجوهًا لا يجوز ذكرها في التقسيم لبعدها، ومثَّل لذلك بأمثلة عدة منها: وزن عصي، فذكر أنه يُحتمل أن يكون على وزن فُعُول، أو فعِيل، أو فلِيع، أو فعلٍّ، ومنع أن يكون في التقسيم فعليٌ أي: بكسر الفاء والعين وسكون اللام، وإنما أجاز الأوزان السابقة؛ لأن لها وجودًا في لسان العرب، ففعول كدلي، وفعيل كشعير وبعير، وفليع كقسي، وأصلها فعول قووس، فغُيرت إلى قسو، فلوع، ثم إلى قسي فلي، وفِعِل كطِمِر، وهو وصف الفرس الجواد، ومنع وزن فعلي؛ لأنه ليس في لسان العرب هذا الوزن، ولا ما هو قريب منه إلا أن تقول: إنها مقاربة لطمر. ونذكر الأمثلة التي ذكرها السيوطي في كتاب (الاقتراح):
المثال الأول: قال ابن جني: "وذلك كأن تقسم نحو: مروان إلى ما يحتمل حاله من التمثيل له فتقول: لا يخلو من أن يكون فعلان، أو مفعالًا أو فعوالًا، فهذا ما يبيحك التمثيل في بابه أي: ما يحتمله فيفسد كونه مفعالًا أي: بزيادة الميم في أوله والألف قبل آخره، أو فعوالًا أي: بزيادة الواو والألف أنهما مثالان لم يجيئا، فلم يبقَ إلا فعلان" انتهى. ومعنى ما نقله السيوطي عن ابن جني: أن مروان يحتمل في وزنه أن يكون فعلان بزيادة الألف والنون، فأصله مرو فالميم والراء