بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثامن
(العلة في ضوء ما ورد في كتاب (الاقتراح) للسيوطي)
مسلك التقسيم عند أبي البركات الأنباري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
خصص الأنباري الفصل الرابع والعشرين من فصول (لمع الأدلة) للحديث عن ذكر ما يُلحق بالقياس من وجوه الاستدلال، موضحًا في بداية هذا الفصل أن أنواع الاستدلال كثيرة تخرج عن حد الحصر، وأنه سيذكر في هذا الفصل ما يكثر التمسك به، وأورد أمورًا أربعة مما يُلحق بالقياس، جاعلًا في مقدمتها التقسيم، ثم ذكر أن الاستدلال بالتقسيم ضربان؛ أحدهما: أن يذكر المستدل الأقسام التي يجوز عقلًا أن يتعلق الحكم بها، فيبطلها جميعًا، فيبطل بذلك قوله: أي: قول المثبت للحكم المتعلق بها في ضمن ما أبطله من الأقسام. ومثال ذلك: حكم دخول اللام في خبر لكنَّ المشددة النون، قياسًا على أختها إن، فقد ذهب الكوفيون إلى جوازه؛ احتجاجًا بقول بعض العرب:
ولكنني من حبها لعميد
وهذا الذي أجازه الكوفيون يبطل بطريق السبر والتقسيم، إذ يقال: إن هذه اللام الداخلة على خبر لكن، إما أن تكون لام التوكيد أو لام القسم. ولا يجوز أن تكون هذه اللام للتوكيد؛ لأن لام التوكيد إنما حسن دخولها على خبر إن لاتفاقهما في معنًى واحد وهو التأكيد، ولذا وجب تأخير اللام عن إن ودخولها على الخبر؛ لئلا يتوالى مؤكدان. ومن ثمَّ سُميت المزحلقة أي: التي زحلقت إلى موضع الخبر، وتدخل على الاسم إذا تأخر كما في قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} (النازعات: 26) ونحوه. ولكنّ ليست للتأكيد، لأنها ليس فيها توكيد، ولا هي موضوعة له؛ فبطل أن تكون اللام الداخلة في خبرها للتأكيد. كما يبطل أن تكون اللام للقسم؛ لأن إن واللام بينهما مناسبة، وهي وقوع كل منهما في