والثانية: لو كان عامل النصب إلا بمعنى أستثني؛ لوجب النصب في النفي كما يجب في الإيجاب، لأن فيه أيضًا معنى أستثني، وذلك نحو: ما قام القوم إلا زيد أو إلا زيدًا. ولما كان المستثنى في النفي يجوز فيه النصب على الاستثناء، ويجوز فيه الإتباع على البدلية؛ دلَّ ذلك على أن إلا ليست هي عامل النصب. والثالثة: أنه لو كان عامل النصب إلا التي بمعنى أستثني؛ لأدى ذلك إلى إعمال معنى الحرف، وذلك لا يجوز.
والرابعة: أنه لو كان عامل النصب إلا لأنها بمعنى أستثني؛ لجاز الرفع بتقدير امتنع أي: بصيغة الماضي، فيحتاج لفاعل هو ذلك المستثنى، فنحو: قام القوم إلا زيدًا، لو قدر فيه امتنع؛ لوجب رفع زيد، لأن الفعل ماض يحتاج إلى فاعل. وقد استوى أستثني وامتنع لاستقامة المعنى مع كل منهما، فلا يجوز ترجيح أحدهما على الآخر؛ إذ ترجيح أحدهما على الآخر مع كون المعنى مع كل منهما مستقيمًا ظاهرًا ضرب من ضروب التحكم. كما أورد ذلك عضد الدولة، وهو أحد أمراء بني بويه على أبي علي الفارسي، وكان معه يومًا في الميدان، فسأل عضد الدولة الفارسي: "بِمَ ينتصب المستثنى؟ فقال له الفارسي: بتقدير أستثني. فقال له: لم قدرت: أستثني فنصبت، هلَّا قدرت امتنع زيد فرفعت؟ فقال الفارسي معتذرًا: هذا جواب ميداني أي: ذكرته في عجالة. فإذا رجعت قلت الجواب الصحيح"، والذي اختاره أبو علي الفارسي في (الإيضاح) أنه منتصب بالفعل المقدم بتقوية إلا. فهذه أربع جهات تبطل القول بأن عامل النصب هو إلا لأنها بمعنى أستثني.
كما بطل أيضًا القول الثالث وهو أن عامل النصب إلا؛ لأنها مركبة من إن المخففة ولا، والذي يبطل هذا القول أن فيه إعمال إن المخففة، وإن إذا خففت