تعارضا أخذ بأرجحهما، وهو أن يكون أحدهما موافقًا لدليل آخر من طريق النقل أو طريق القياس".
ومعنى ما ذكره الأنباري: أن السماع -وهو الذي يعبر عنه الأنباري باسم النقل- قد يُرجح قياسًا على قياس، كما أن موافقة القياس قد ترجح أحدهما على الآخر، ولم يذكر الأنباري مثالًا رجح فيه السماع أحد القياسين، وإنما اكتفى بقوله: "فأما الموافقة من طريق النقل، فنحو ما قدمناه في الفصل الذي قبله". انتهى. والمراد بالفصل الذي قبله: فصل معارضة النقل بالنقل.
ومما سبق نقول: إن الأنباري لم يذكر في (لمع الأدلة) كما لم يذكر السيوطي في (الاقتراح) مثالًا تعارض فيه قياسان، وكان السماع مرجحًا أحدهما على الآخر، وقد ذكر الأنباري مثالًا لترجيح السماع بين القياسين المتعارضين، وذلك في كتابه (الإنصاف) إذ أفرد في هذا الكتاب مسألةً لعامل النصب في خبر ما النافية. فقد ذهب الكوفيون إلى أن ما الحجازية لا تعمل النصب في الخبر، وإلى أن الخبر منصوب بنزع الخافض، واحتجوا لمذهبهم بالقياس فقالوا: إن القياس في ما ألا تعمل؛ لأن الحرف إنما يكون عاملًا إذا كان مختصًّا و"ما" غير مختص، فالأصل فيه ألا يعمل، ولذلك أهملها بنو تميم، وأعملها الحجازيون؛ لأنهم شبهوها بـ: ليس من جهة المعنى، وهو شبه ضعيف، فلم يقوَ على العمل في الخبر كما عملت ليس.
وذهب البصريون إلى أن "ما" هي التي تنصب الخبر واحتجوا بالقياس، فذكروا أن الدليل على صحة مذهبهم، هو أن ما أشبهت ليس فوجب أن تعمل عملها، وعمل ليس الرفع والنصب، أي: رفع الاسم ونصب الخبر، ويقوي الشبهَ بين ما وليس دخول الباء في خبر ما كما تدخل في خبر ليس فَمِن دخول الباء في خبر