بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السادس عشر
(الحكم في تعارض السماع والقياس)
حكم ما ورد شاذًّا في القياس مطردًا في الاستعمال
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومَن والاه؛ أما بعد:
تكرر حديث ابن جني في (الخصائص) عن القياس والسماع؛ لكونهما في مقدمة أدلة النحو المعتمدة، كما تكرر حديثه عن الاطراد والشذوذ، وذكر غيرَ مرةٍ أن الكلام إذا كان مطردًا في القياس والاستعمال جميعًا كان هو الغاية المطلوبة والمثابة المنوبة، وأن ذلك ما لا غايةَ وراءه ولا هدف بعده نحو منقاد اللغة من النصب بحروف النصب، والجر بحروف الجر والجزم بحروف الجزم وغير ذلك، مما هو فاشٍ في الاستعمال قوي في القياس. ومن ذلك حديثه في باب: القول على الاطراد والشذوذ، وذكر فيه أن الكلام في الاطراد والشذوذ على أربعة أضرب: مطرد في القياس والاستعمال جميعًا، ومطرد في القياس شاذ في الاستعمال، ومطرد في الاستعمال شاذ في القياس، وشاذ في القياس والاستعمال جميعًا. وذكر حكمَ كل ضرب منها وبعضَ أمثلته، ثم أفرد بابًا عنوانه: باب في تعارض السماع والقياس في الجزء الأول أيضا من (الخصائص).
وقد فَصَّل فيه ما أجمله في الباب الأول، ولكنه أكد في البابين على قوانينَ تُعد من الثوابت في العربية. وفي مقدمة هذه القوانين: أن أقوى الكلام ما كان فاشيًا في الاستعمال قويًّا في القياس، وذلك نحو: قام زيد، وأكرمت عمرًا، ومررت بسعيد، أي: ما كان مراعيًا للقواعد المطردة المستنبطة من كلام العرب الفصحاء الموثوق بعربيتهم، وأن السماع والقياس إذا تعارضَا نطقت بالمسموع على ما جاء عليه، أي: لأنه نص وأصل ولم تقسه في غيره، أي: في غير ما ورد من النص؛ لاقتضاء القياس المنع من ذلك، وأجزتَ الوارد لوروده مقتصرًا عليه دون قياس ما وراءه عليه لمخالفته القياس، أي: إذا كان قياس النحويين يؤدي إلى حكم من