إلى احترام المسموع مع شدة مخالفته للقياس: "فلما كان استحوذ خارجًا عن معتل -يعني: حاذ يحوذ- وجب إعلاله؛ إلحاقًا في الإعلال به، وكذلك باب: أقام وأطال واستعاذ واستزاد، مما يسكن ما قبل عينه في الأصل. ألا ترى أن أصل أقام: أقوم، وأصل استعاذ: استعوذ، فلو أخلينا وهذا اللفظ أي: الذي عليه هذا الأصل، لاقتضت الصورة تصحيح العين لسكون ما قبلها، يعني: لبقيت الواو من غير إعلالها بقلبها ألفًا لسكون ما قبلها، غير أنه لما كان منقولًا ومخرجًا من معتل هو قام وعاذ، أُجري أيضًا في الإعلال عليه. وليس كذلك: استنوق الجمل واستتيست الشاة؛ لأن هذا ليس منه فعل معتل. ألا تراك لا تقول: ناقَ ولا تاس؟ إنما الناقة والتيس اسمان لجوهر، لم يصرف منهما فعل معتل، فكان خروجهما على الصحة أمثلَ منه في باب: استقام واستعاذ، وكذلك: استفيل"، انتهى.
يقارن ابن جني في النص السابق بين الشذوذ القياسي في الكلمات: استنوق واستتيس واستفيل، والشذوذ في كلمة: استحوذ، فيذكر أن الشذوذ في الكلمات الأول أسهل من الشذوذ في الكلمة الأخيرة، وذلك أن استحوذ تقدمها فعلها الثلاثي المجرد وهو حاذ، وهو فعل أجوف واوي العين، وقد أعل بقلب واوه ألفًا، فكان القياس يوجب إلحاق مزيد هذا الفعل به في الإعلال، فيقال: استحاذ، هذا ما كان يقتضيه القياس، وما يقتضيه في كل فعل أجوف من بابي: أفعل واستفعل، نحو: أقام وأطال واستعاذ واستزاد، فهذه الأفعال المزيدة ونحوها قد أُعلت فيها العين وهي واو أو ياء بقلبها ألفًا؛ حملًا على إعلال مجردها، فأصل الفعل أقام: أقوم، ووزنه: أفعل، فَأُعِل بقلب عينه وهي الواو ألفًا بعد نقل حركتها إلى الساكن الصحيح قبلها، وهو القاف.