بنصب أي بمرجوحية أيضًا، مقدرًا فعلًا ناصبًا من معنى الفعل المذكور لا من لفظه، فالتقدير عنده: أيهم جزت مررت به أو أيهم لاقيت مررت به. وهكذا يسأل سيبويه شيخه الخليل عن الحكم فيجيبه عنه مشفوعًا بعلته.
والمثال الثاني: قال سيبويه في (الكتاب): "وزعم الخليل -رحمه الله- أن الألف واللام إنما منعهما أن يدخلا في النداء، من قبل أن كل اسم في النداء مرفوع معرفة، وذلك أنه إذا قال: يا رجل، ويا فاسق فمعناه كمعنى يا أيها الفاسق ويا أيها الرجل، وصار معرفة، لأنك أشرت إليه وقصدت قصده، واكتفيت بهذا عن الألف واللام، وصارت كالأسماء التي هي للإشارة نحو: هذا وما أشبه ذلك، وصار معرفة بغير ألف ولام؛ لأنك إنما قصدت قصد شيء بعينه، وصار هذا بدلًا في النداء من الألف واللام، واستغني به عنهما، كما استغنيت بقولك: اضرب عن لتضرب، وكما صار المجرور بدلًا من التنوين، وكما صارت الكاف في رأيتك بدلًا من رأيت إياك" انتهى.
يذكر سيبويه في هذه الفقرة نقلًا عن الخليل -رحمه الله- علة منع النداء ما فيه "ال" في الاختيار من غير ما استثني، ومجمل هذه العلة أن النداء يُفيد التعريف، وال تفيد التعريف، ولا يُجمع بين معرِّفين على معرَّف واحد، فلا يدخل حرف تعريف على حرف تعريف، كما لا يدخل فعل على فعل؛ لأنه لا يقتضيه، وإنما يدخل الفعل والحرف على مقتضاهما، قيل: ولهذا لا يجوز الجمع بين تعريف النداء وتعريف العلمية في الاسم المنادى العلم نحو: يا زيد، بل يُعرى عن تعريف العلمية تقديرًا، ويعرف بالنداء، فإذا لم يجز الجمع بين تعريفين: أحدهما بعلامة لفظية والآخر بعلامة معنوية، فمن طريق الأَولى ألا يجوز الجمع بين تعريفين كلاهما بعلامة لفظية.