انتصب هذا بأن، وأنْ ها هنا مضمرة، ولو لم تضمرها؛ لكان الكلام محالًا، لأن اللام وحتى إنما يعملان في الأسماء فيجران، وليستا من الحروف التي تُضاف إلى الأفعال، فإذا أضمرت أنْ حسن الكلام، لأن "أنْ" وتفعل بمنزلة اسم واحد، كما أن "الذي" وصلته بمنزلة اسم واحد، فإذا قلت: هو الذي فعل، فكأنك قلت: هو الفاعل، وإذا قلت: أخشى أن تفعل، فكأنك قلت: أخشى فعلك، أفلا ترى أن أنْ تفعل بمنزلة الفعل، فلما أضمرت أن؛ كنت قد وضعت هذين الحرفين مواضعهما، لأنهما لا يعملان إلا في الأسماء، ولا يضافان إلا إليها، وأنْ تفعل بمنزلة الفعل".
ثم قال في الباب نفسه: "واعلم أن أنْ لا تظهر بعد حتى وكي، كما لا يظهر بعد أما الفعل في قولك: أما أنت منطلقًا انطلقت، واكتفوا عن إظهار أنْ بعدهما بعلم المخاطب أن هذين الحرفين لا يُضافان إلى فعل، وأنهما ليسا مما يعمل في الفعل، وأن الفعل لا يحسن بعدهما إلا أن يُحمل على أنْ، فأنْ ها هنا بمنزلة الفعل في أما. وما كان بمنزلة أما مما لا يظهر بعده الفعل، فصار عندهم بدلًا من اللفظ بأنْ" انتهى. وهكذا يذكر سيبويه غير مرة أن حتى من عوامل جر الأسماء، وأن عوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال، كما أن عوامل الأفعال لا تعمل في الأسماء، وأن الفعل المضارع المنصوب بعد حتى منصوب بأنْ مضمرة بعدها، وأنها والفعل بمنزلة اسم واحد هو المصدر.
وبعد صفحات قليلة من الباب السابق في (الكتاب) نجد بابًا عنوانه: هذا باب حتى، يقول سيبويه في أوله: "اعلم أن حتى تنصب على وجهين؛ فأحدهما: أن تجعل الدخول غاية لمسيرك، وذلك قولك: سرت حتى أدخلها، كأنك قلت: سرت إلى أنْ أدخلها، فالناصب للفعل ها هنا هو الجار للاسم، إذا كان غاية؛ فالفعل إذا كان غاية نصب، والاسم إذا كان غاية جر، وهذا قول الخليل. وأما الوجه الآخر: فأن يكون السير قد كان، والدخول لم يكن، وذلك إذا جاء مثل كي التي فيها إضمار أن وفي معناها، وذلك قولك: كلمته حتى يأمر لي بشيء" انتهى.