الصريح من ولد إسماعيل -عليه السلام- لم تشبهم شائبة، ولم تنقلهم عن مناسبهم ناقلة، فضيلة من الله -جل ثناؤه- لهم وتشريفًا، إذ جعلهم رهط نبيه الأَدْنَيْن، وعترته الصالحين" انتهى.
وإنما كانت لغة قريش هي اللغة الغالبة لعدة أسباب: منها أن قبيلة قريش هي القبيلة التي قامت بخدمة البيت الحرام، والعناية بشئونه، واستضافة الحجيج وسقايتهم، وتعليمهم مناسكهم، وقد كان العرب من مختلف القبائل يحجون إلى بيت الله الحرام، ويتحدثون بلغاتهم المختلفة، وكانت قريش تستمع إلى هذه اللغات، فتختار منها أحسنها وأصفاها، وتترك منها ما تراه مخلًّا بالفصاحة، وقد نقل السيوطي عن أبي نصر الفارابي أن قريشًا كانت أجود العرب انتقادًا للأفصح من الألفاظ، وأسهلها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعًا وإبانة عما في النفس. ومن هنا كانت لغة قريش هي أفصح لغات العرب، والسبب في ذلك أنها تكلمت بما استحسنته من لغات العرب، وقد نقل السيوطي عن الفراء قوله: "كانت العرب تحضر الموسم في كل عام، وتحج البيت في الجاهلية، وقريش يسمعون لغات جميع العرب، فما استحسنوه من لغاتهم تكلموا به، فصاروا أفصح العرب، وخلت لغتهم من مستبشع اللغات، ومستقبح الألفاظ" انتهى.
ومعنى ما ذكره السيوطي: أن قريشًا كانت تنتقي من الألفاظ أفصحها، ومن التراكيب أسهلها، وقد أدَّى ذلك إلى أن تكون للغة قريش الغلبة على غيرها من اللغات، حتى أصبحت لغة عامة العرب، استعملتها القبائل المختلفة في نتاجها الأدبي من شعر، ونثر، وإن احتفظت كل قبيلة بخصائصها اللهجية، فيما يدور بين أبنائها من حديث يومي، ومن هنا تجلت حكمة الخالق -تبارك وتعالى- حين اختار هذه اللغة؛ لتكون لغة القرآن الكريم.