الهجرة، وأبو زكريا الفراء، فتقدَّم الأحمر على سيبويه قبل حضور الكسائي فسأله عن مسألة، فأجابه سيبويه، فقال له الأحمر: "أخطأت، ثم سأله عن ثانية، فأجابه فيها فقال له: أخطأت، ثم سأله عن ثالثة فأجابه سيبويه فيها، فقال له: أخطأت.
فقال له سيبويه: هذا سوء أدب، ويذكر الفراء أنه أقبل على سيبويه فقال له: إن في هذا الرجل حدة وعجلة، ولكن ما تقول في من قال: هؤلاء أبونا، ومررت بأبينا، كيف تقول على مثال ذلك مِن وَأيت أو أويت؟ فقدَّر فأخطأ، هكذا يحكي الفراء، فقلت -والكلام على لسان الفراء: أعد النظر، فقدَّر فأخطأ، ثلاث مرات يجيب ولا يصيب، فلما كثر ذلك عليه قال: لا أكلمكما، أو يحضر صاحبكما حتى أناظره، قال: فحضر الكسائي، فأقبل على سيبويه فقال: تسألني أو أسألك؟ فقال له سيبويه: لا، بل سلني أنت، فأقبل عليه الكسائي فقال: كيف تقول: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه: فإذا هو هي، ولا يجوز النصب، فقال له الكسائي: لحنت، ثم سأله عن مسائل من هذا النوع نحو: خرجت فإذا عبد الله القائمُ أو القائمَ. فقال سيبويه في ذلك كله بالرفع، دون النصب.
فقال الكسائي: ليس هذا من كلام العرب، والعرب ترفع ذلك كله وتنصبه، فدفع سيبويه قوله ولم يجز فيه النصب. فقال له يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن ذا يحكم بينكما؟ فقال له الكسائي: هذه العرب ببابك قد اجتمعت من كل أوب، ووفدت عليك من كل صُقْع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل المِصْرَيْن، وسمع أهل الكوفة وأهل البصرة منهم، فيحضرون، ويُسألون، فقال له يحيى وجعفر: لقد أنصفت، وأمر بإحضارهم،