حمل بعض الآيات الكريمة عليه، فحملوا عليه قوله تعالى: {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (البقرة: 217)، فـ {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} معطوف على الضمير في {بِهِ}، كما حملوا عليه قوله تعالى: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ" (النساء: 1) بجر "الْأَرْحَامِ" في قراءة حمزة عطفًا على الضمير في {بِهِ} دون إعادة الجار، وقد رجح أبو حيان مذهب الكوفيين على مذهب البصريين. ومن تمام الفائدة نذكر هنا أن للبصريين فيما ذهبوا إليه حجتين:
الأولى: أن ضمير الجر شبيه بالتنوين ومعاقِب له، فلم يجز العطف عليه كما لا يجوز العطف على التنوين. والثانية: أن حق المعطوف والمعطوف عليه أن يصح حلول كل واحد منهما محل الآخر، وضمير الجر لا يصح حلوله محل ما يعطف عليه، فيمنع العطف إلا بإعادة الجار، والحجتان ضعيفتان. أما الأولى: فيدل على ضعفها أن شبه الضمير بالتنوين ضعيف، فلا يترتب عليه إيجاب ولا منع، ولو منع من العطف عليه لمنع من توكيده، ومن الإبدال منه، وضمير الجر يؤكَّد، ويبدل منه بإجماع؛ فالعطف عليه أسوة بالتوكيد والبدل.
وأما الثانية: فيدل على ضعفها أنه لو كان حلول كل واحد من المعطوف والمعطوف عليه شرطًا في العطف؛ لم يجز قولهم: رُب رجل وأخيه ونحوه؛ لأنه لا يصح حلول أخيه محل رجل، إذ إن رُب تختص بالدخول على النكرات، فلما جاز: رب رجل وأخيه؛ دلَّ على أن حلول كل واحد من المعطوف والمعطوف