صوت كقولك -يعني لمن جُهل اسمه: يا هناه، يريد أن الميم صوت ليس باسم ولا فعل ولا حرف يدور في المواقع، كما هو الشأن في الحروف، وإنما هو صوت اتصل بالآخر، فالأصوات لا توصف. وأما قوله عز وجل: {اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الزمر: 46) فعلى يا" انتهى.
وهكذا رأى سيبويه أن لفظ {فَاطِرَ} في الآية الكريمة منادى بحرف نداء محذوف، ولا يجوز أن يكون وصفًا للفظ الجلالة على المحل، وخالف في ذلك المبرد، فقال في (المقتضب) في باب الحروف التي تنبه بها المدعو: "ولا يجوز عنده -أي: عند سيبويه- وصفه، ولا أراه كما قال: لأنها -أي: الميم المشددة- إذا كانت بدلًا من يا، فكأنك قلت: يا الله، ثم تصفه كما تصفه في هذا الموضع فمن ذلك قوله: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} وكان سيبويه يزعم أنه نداء آخر، كأنه قال: يا فاطر السموات والأرض" انتهى.
ومن ذلك أيضًا في (الكتاب) قال سيبويه: "وتقول: هذا رجل وامرأته منطلقان، وهذا عبد الله وذاك أخوك الصالحان؛ لأنهما ارتفعا من وجه واحد، وهما اسمان بُنيا على مبتدأين، وانطلق عبد الله ومضى أخوك الصالحان؛ لأنهما ارتفعا بفعلين، وذهب أخوك وقدم عمرو الرجلان الحليمان" انتهى.
وخالفه المبرد فقال في (المقتضب) في باب اشتراك المعرفة والنكرة: "وكان سيبويه يجيز جاء عبد الله وذهب زيد العاقلان على النعت؛ لأنهما ارتفعا بالفعل، فيقول: رفعهما من جهة واحدة، وكذلك هذا زيد وذاك عبد الله العاقلان؛ لأنهما خبر ابتداء، وليس القول عندي كما قال؛ لأن النعت إنما يرتفع بما يرتفع به المنعوت، فإذا قلت: جاء زيد وذهب عمرو العاقلان؛ لم يجز أن يرتفع بفعلين، فإن رفعتهما بجاء وحدها، فهو محال؛ لأن عبد الله إنما يرتفع بذهب، وكذلك لو رفعتهما بذهب لم يكن لزيد فيها نصيب".