دولة المعتزلة غلبت دولة المحافظين في اللغة كما هو الشأن في كل علم، إذا عرفت ذلك كله أدركت الأثر البعيد الذي للعلوم الدينية في نشأة العلوم اللسانية، هذا في القياس خاصة، وقد علمت أن علماء العربية احتذوا طريق المحدِّثين من حيث العناية بالسند ورجاله، وتجريحهم، وتعديلهم، وطرق تحمل اللغة؛ فكانت لهم نصوصهم اللغوية كما كان لهؤلاء أو لأولئك نصوصهم الحديثية، ولهم طبقات الرواة كما لأولئك، ثم احتذوا المتكلمين في تطعيم نحوهم بالفلسفة والتعليل، ثم حاكوا الفقهاء أخيرًا في وضعهم أصولًا تشبه أصول الفقه، وتكلموا في الاجتهاد فيه، كما تكلم الفقهاء، وكان لهم طرازهم في بناء القواعد على السماع والقياس والإجماع، كما بنى الفقهاء استنباط أحكامهم على السماع والقياس والإجماع، وذلك تأثر واضح من آثار العلوم الدينية في علوم اللغة" انتهى.
هذا وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.