والعلة الثالثة عشرة: علة قرب ومجاورة. مثل: جرهم نعت المرفوع لمجاورته لمجرور، من باب إعطاء الشيء حكم الشيء إذا جاوره، كقولهم هذا جحر ضب خرب، فالنعت وهو لفظ خرب حقه الرفع؛ لأنه صفة لمرفوع وهو جحر، الواقع خبرًا للمبتدأ، لكنه جُرَّ لمجاورته المضاف إليه المجرور، وهو لفظ ضب. وقد أشار سيبويه في (الكتاب) إلى ذلك بقوله: "ومما جرى نعتًا على غير وجه الكلام: هذا جحر ضب خرب، فالوجه الرفع، وهو كلام أكثر العرب، وأفصحهم، وهو القياس؛ لأن الخرب نعت الجحر، والجحر رفع، ولكن بعض العرب يجره، وليس بنعت للضب، ولكنه نعت للذي أضيف إلى الضب، فجروه لأنه نكرة كالضب، ولأنه في موضع يقع فيه نعت الضب، ولأنه صار هو والضب بمنزلة اسم واحد، ألا ترى أنك تقول: هذا حب رمان، فإذا كان لك قلت: هذا حب رماني، فأضفت الرمان إليك، وليس لك الرمان إنما لك الحَب" انتهى.
ومن علة المجاورة أيضًا قول امرئ القيس:
كأن أبانًا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل
أبان: جبل، والعرانين: الأوائل، والأصل في هذا أن قولهم: للأنف عرنين قد استعير لأوائل المطر؛ لأن الأنوف تتقدم الوجوه، والوبل القطر العظيم، وضمير وبله راجع للسحاب في بيت قبله، والبجاد كساء مخطط من أكسية الأعراب من وبر الإبل، وصوف الغنم، والمزمل الملتف. والشاعر يشبه الجبل في أوائل مطر هذا السحاب، وقد غطاه الماء الذي أحاط به فلم يظهر منه إلا رأسه من السحاب بشيخ سيد في قومه، ملتف في كساء مخطط. والشاهد فيه أن قوله: مزمل صفة للاسم المرفوع الواقع خبرًا لكأن، وهو قوله: كبير، فحقه الرفع، وقد خُفض لمجاورته لبجاد المجرور بفي.