فقوله: كنتي معناه أن يقول: كنت أفعل في شبابي كذا، وكنت في حداثتي أصنع كذا، والعاجن هو الذي أسن، فلا يستطيع القيام إلا إذا اعتمد على يديه من شدة ضعفه، فأجروا ضمير الرفع مجرى الدال من زيد، وكأنهم نبَّهوا بهذا على قوة اتصال الفعل بهذا الضمير المتصل به، وأنهما قد حلَّا جميعًا محل الجزء الواحد.
والسادسة: قولهم: حبذا، من نحو: حبذا زيد يعني: أنهم ركبوا حَب وهو فعل مع اسم الإشارة ذا، فصارا بمنزلة اسم واحد حكم على موضعه بالرفع على الابتداء، وهو ظاهر مذهب الخليل وسيبويه، كما في (الكتاب). وقد تغلَّب على المركب في هذا القول جانب الاسمية.
والسابعة: قولهم: لا أحبذه، أي: لا أقول له مادحًا إياه: حبذا، فلا نافية، وأحبذ فعل مضارع، فاعله ضمير مستتر تقديره: أنا، والهاء مفعوله، وقد تغلب على المركب في هذا القول جانب الفعلية.
والثامنة: إبدالهم تاء الضمير طاء في قولهم: فحصط برجلي، وأصله فحصت، فشبهوا تاء الفاعل بتاء افتعل كاصطبر، وأصله اصتبر؛ فأبدلت التاء طاء لتجانس الصاد في الإطباق، والإطباق هو أن ترفع في النطق أطراف لسانك إلى الحنك الأعلى مطبقًا له، فيفخم ذلك نطق الحرف، وحروف الإطباق هي: الصاد والضاد والطاء والظاء.
قال ابن جني في (سر صناعة الإعراب): "ووجه شبه تاء فعلت بتاء افتعل أنها ضمير الفاعل، وضمير الفاعل قد أُجري في كثير من أحكامه من الفعل مجرى بعض أجزاء الكلمة من الكلمة، وذلك لشدة اتصال الفعل بالفاعل" انتهى.