مررت بزيد، ورغبت في عمرو، وعجبت من محمد، وغير ذلك من الأفعال الواصلة بحروف الجر، فأحد ما يدل عليه هذا الضرب من القول أن الجار معتدٌّ من جملة الفعل الواصل به، ألا ترى أن الباء في مررت بزيد معاقبة لهمزة النقل في نحو: أمررت زيدًا، وكذلك أخرجته وخرجت به، وأنزلته ونزلت به، فكما أن همزة أفعل مصوغة فيه كائنة من جملته، فكذلك ما عاقبها من حروف الجر ينبغي أن يعتدَّ أيضًا من جملة الفعل؛ لمعاقبته ما هو من جملته، فهذا وجه. والآخر: أن يدل ذلك على أن حرف الجر جارٍ مجرى بعض ما جره، ألا ترى أنك تحكم لموضع الجار والمجرور بالنصب فيعطف عليه، فينصب لذلك فتقول: مررت بزيد وعمرًا، وكذلك أيضًا لا يفصل بين الجار والمجرور؛ لكونهما في كثير من المواضع بمنزلة الجزء الواحد، أفلا تراك كيف تقدر اللفظ الواحد تقديرين مختلفين، وكل واحد منهما مقبول في القياس متلقى بالبشر والإيناس" انتهى.
ومجمل ما ذكره ابن جني في هذا النص أن نحو: مررت بزيد ونظائره مما يتعدى فيه الفعل بحرف من حروف الجر، يُستدل به على أن الجار والمجرور معدود من جملة الفعل، كما يستدل به على ضد ذلك أي: على أنه معدود من جملة الاسم المجرور به، ووجه كونه معدودًا من جملة الفعل أنه معدٍّ للفعل يجعل الفعل يتعدى به، فهو بمنزلة همزة التعدية التي تكون مجعولة حرفًا من بنية الفعل، وهي همزة أفعل، فكذلك ما عاقبها يعني: ما ناب عنها وخلفها. ووجه كونه جاريًا مجرى بعض مجروره أمران؛ أحدهما: أنه يحكم لموضع الجار والمجرور بالنصب، فيعطف عليهما بالنصب مراعاة لموضعهما في نحو: مررت بزيد وعمرًا، فعمرًا منصوب عطفًا على موضع بزيد عند ابن جني.