فقد عرفت الفكرة سلفاً من قبل علماء اكتشفوا من استقرائهم للسجل الجيولوجي للحياة، أن الحياة لم توجد على الأرض دفعة واحدة -كما يتوهم الناس- بل وجدت تدريجياً في ترتيب تاريخي، ولاحظوا أن الأنواع المتأخرة في الظهور أكثر رقياً من الأنواع المتقدمة، ومن هؤلاء (راي، وباركنسون، ولينو).
أما السبب في إهمال النتائج التي توصلوا إليها فهو -على ما يبدو- التفسير الذي قدموه للتطور، فقد قال هؤلاء: (إن التطور خطة مرسومة فيها رحمة للعالمين) [1] ولذلك وصفت نظريتهم بأنها (لاهوتية) وكان ذلك كافياً لإضفاء النسيان عليها حتى داخل معامل الأحياء.
ذلك أن الصراع بين العلم والدين آنذاك، كان في حالة من الهيجان لا تسمح بانتشار نظرية تشم منها رائحة إله الكنيسة السفاح الحقود!!
وكان العلم النيوتوني قد ألقى في روع أعداء الكنيسة إمكان تفسير الظواهر الطبيعية (ميكانيكياً) أي دون الحاجة إلى مدبر، ولذلك فلم تكن ظروف الصراع تستدعي إلا إيجاد فكرة عن الحياة، تقوم على قانون ميكانيكي كقانون نيوتن في الفلك.
وفعلاً حاول الكثيرون الحصول على شرف اكتشاف هذا القانون، فبذل كل من: بوفون ولامارك وكوفييه وبترس كمبر جهوداً مضنية في هذا الشأن، أما داروين فقد استطاع العثور على ذلك القانون المزعوم من طريق بعيد عن مجال الحياة والأحياء، إذ استوحاه من علم آخر هو (علم دراسة السكان)، ومن نظرية مالتوس بالذات [2]. [1] سلسلة تراث الإنسانية (9/ 72). [2] سيأتى الحديث عنها ضمن النظريات الاقتصادية في الفصل الثانى من الباب الثالث (ص:274).