ويستطيع المرء أن يتأكد من حقيقة هذه الدعوى إذا استعرض السرعة المذهلة التي طبقت بها الداروينية في مختلف مجالات الحياة وميادين العلوم والفكر والرءوس اليهودية البارزة في هذا التطبيق، ولعلنا الآن نتذكر السبب في خيبة النبوءة التي تنبأ بها أوين وأغاسيز لمستقبل الداروينية.
وليس التطبيق العاجل للنظرية والرواج المنقطع النظير هو السبب الذي يؤكد ذلك، فهناك أسباب أخرى مؤيدة.
الإهمال الكامل للنظريات التطورية اللاهوتية، حتى إن (والاس) قرين داروين وشريكه في اكتشاف النظرية لا يكاد يعرف عند غير المختصين، وليس لذلك من علة، إلا أنه قال بأن وراء عملية التطور قوة مدبرة [1].
الطريقة الغريبة التي استقبلت وأشيعت بها النظرية، والتي جعلت الناس يتلقفونها لا بوصفها نظرية علمية بل كما لو كانت ديناً جديداً بالفعل، وطرحت لا كمناقض للمسيحية فحسب بل كبديل لها.
التمجيد الأسطوري لصاحب النظرية فقد حاز داروين من الشهرة ما لم يظفر به أعظم خدام البشرية من أمثال (باستور وفلمنغ وأديسون) وجعله مؤرخو الفكر الغربيون أعظم محرر للفكر البشري، بل إن بعضهم ليشبهه بالمسيح، وقال عنه أرنست هيكل: (إنه أطلس يحمل عالم الفكر على منكبيه)، ووصفه آخرون بأنه (قاهر الطبيعة) [2].
الحملة الصحفية المكثفة للتشهير بأعداء النظرية، وتحيز الصحف شبه الكامل لداروين على الكنيسة، إذ كانت الصحافة قد [1] انظر: نظرية دارون بين مؤيديها ومعارضيها: (44). [2] المصدر السابق: (42).