وتمت هذه الزلزلة على يد (داروين) ونظريته في التطور العضوي، وبعد داروين انتقلت أوروبا من الإيمان بالثبات المطلق إلى الاعتقاد في التطور المطلق.
لقد حدث في القرن التاسع عشر تحول شامل في الحياة الأوروبية كلها، بسبب ما أحدثه الانقلاب الصناعي من نقل الناس من البيئة الزراعية إلى البيئة الصناعية مما كان له أثره البالغ في أخلاق الناس وتقاليدهم وأوضاعهم عامة، فكان ذلك تطوراً اجتماعيا واقتصادياً موازياً للتطور العلمي والثقافي.
في ظل هذه الظروف المتغيرة والمتطورة ولدت نظرية التطور في كتاب داروين (أصل الأنواع) الذي قال عنه وست:
(لقد كان تأثير هذا الكتاب عظيماً ولا شك، فعن طريق وضع مبدأ جديد للدراسة وهو مبدأ ديناميكي، وليس مبدأ استقرارياً أو استاتيكياً، استطاع أن يحدث ثورة في كل فروع المعرفة من علم الفلك إلى التاريخ، ومن علم الحفريات القديمة إلى علم النفس ومن علم الأجنة إلى علم الدين) [1].
والواقع أن التطور الديني الذي أوحت به النظرية ليتجاوز الأثر العلمي إلى ميادين الحياة كافة (الاجتماعية والسياسية والاقتصادية) ... إلخ، ونزلت الضربة القاضية على رأس الدين والأخلاق). والحق أن داروين لم يقل صراحة: إنه لا شيء ثابت على الإطلاق وأن الحياة البشرية تمضي في حلقات متباينة تختلف كل لاحقة عن سابقتها اختلافاً كاملاً، ولكن نظريته توحي بذلك وتومئ إليه، وذلك أن التطور كما شرحه داروين يشتمل على عنصرين بارزين: (الحتمية والاضطراب) فكل مرحلة من مراحل التطور أعقبت سلفها بطريقة حتمية، بمعنى أن العوامل الخارجية - كما أسلفنا - هي التي [1] سلسلة تراث الإنسانية (9/ 125).