وبغض النظر عن النتيجة الخاطئة التي وصل إليها هوبز وهي تبرير الطغيان بحجة تنفيذ العقد بالقوة، فإن فكرة العقد ذاتها حظيت بعناية الباحثين من بعده [1].
وتلا هوبز جون لوك (1704) الذي اتفق معه في وجود عقد اجتماعي بين الدولة والأفراد، إلا أنه خالفه في كون سلطة الحكومة المشرفة على تنفيذ العقد مطلقة، فهو يرى أن السلطة مقيدة بقبول الأفراد لها؛ ولذلك يمكن سحب السلطة منها بسحب الثقة فيها [2].
وأخيراً اكتملت الفكرة على يد جان جاك روسو (1778) مع فارق أساسي بينه وبين هوبز، ذلك أن روسو يرى أن الحالة الطبيعية للإنسان هي الفترة الذهبية من تاريخه، ولكن الإنسان بفعل الأطماع وبتأثير (الأديان!) تجرد من النقاء الطبيعي، وانتقل إلى حالة من الفوضوية اقتضت وجود عقد اجتماعي لتنظيم حياة الناس ومحاولة العودة بهم إلى الحالة الطبيعية [3].
والملاحظ على النظرية بشكل عام هو إغفالها لدور الدين سواء فيما هو كائن أو فيما ينبغي أن يكون إلى درجة أن روسو لا يكتفي بإهمال الأثر الديني في توجيه المجتمع، بل يعد الدين الإلهي عاملاً من العوامل التي تعوق الرجوع إلى الحالة الطبيعية السوية.
وحين يطالب روسو بفصل السياسة عن الدين، فإنه يتهم الأديان بأنها هي التي سببت هذا الفصل حيث نجده يقول: "إن الشعوب القديمة كانت تعبد الملوك، وكان لكل دولة ملكها وإلهها في الوقت نفسه، فكانت السياسة والدين شيئاً واحداً، ولكن الأديان ومن بينها [1] انظر تاريخ النظرية السياسية: (103). [2] انظر مدخل إلى علم السياسة: (30). [3] انظر سلسلة تراث الإنسانية: (1/ 577).